آراؤهم

الثعلب الدخيل

عندما تثور البكتيريا وتبدأ بزعزعة أمن واستقرار أسنانك ، ويقف “البندول” عاجزًا برفقة المسكنات الأخرى؛ فإن مشاعر الحب والوطنية والمرح سوف تتقزم، ولا تملك حينها سوى خيارين: إما تضع رأسك أسفل “المخدة”، أو تصدح بألمك إلى أن يتخلل صدى صوتك آذان من حولك ويطيروا بك إلى المشفى. وأنا اخترت الخيار الثاني وقررت أن أصدح بألمي وأوسع “شق الجرح” في المقال، وأنتظر من يسارع بعلاجي ويخيط الجرح.

“أنت مكبل بقيد أمني شائك، فمُت أيها الثعلب الدخيل على غزلان وطن النهار“.

هذه ليست عبارة مقتطفة من سيناريو فيلم رُشح كأكثر فيلم مأساوي عبر التاريخ ، وليست مقدمة في برنامج “عالم الحيوان”؛ بل هذه عبارة تتخلل آذان البدون وتُلاحق أرواحهم واحدًا تلو الآخر. حتى أصبح تكرار هذه العبارة أمرًا حتمَت الحكومة الكويتية تركيزه بجوف أرواح البدون.

إن القيد الأمني بشكل عام هو قيد يُكبَّل به شخص قام بارتكاب جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، أو قيامه بعمل من شأنه التأثير في الأمن الوطني أو إحداث الفرقة بين فئات المجتمع ومكوناته، سواء بالقول أو الفعل، إلا على عديمي الجنسية “البدون”؛ فيتم غصبهم على الزواج بالقيد عبر مباركة عاقد قران “ملاچ” حكومي! وللأسف فيُصر هذا الملاچ بأمر من الحكومة على وضع القيود الأمنية على أغلب البدون لإعاقة تحركاتهم وتعديلهم لأوضاعهم المستحقة، حتى وصل بهم الأمر أنهم يتهمون الأبرياء بالمشاركة مع الجيش الشعبي إبان الغزو العراقي فقط لاستمرارية الإعاقة والشلل لتحسين أوضاعهم. ويثبت صحة هذا قول الشرطي المسكين: “وصلتنا برقية، أي قضية تخص البدون نرفعها للجهات العليا، سواء إشارة مرور أو مشاجرة أو أي شيء تافه؛ حتى تحسب عليه قيدًا أمنيًا ويعطل تجنيسه“.

وللعلم عزيزي المواطن المستهزئ، فالقيد كفيل بأن يجعلك -لو تجربه- كعملة مهترئة أنهكها السفر في جيوب أصحاب التاكسي! حيث يتم حرمانك أنت يا صاحب القيد ونسلك جمعيًا من الدراسة، السفر، الأكسجين، الماء، مقومات الحياة الأساسية، ويرموك لتصارع من أجل البقاء. فوق هذا، يتهمونك بأنك ثعلب وليلة ظلماء دخيلة على نور وطن النهار.

وفي مقالي هذا، لا أتطرق إلى العزف بأوتار عاطفتك أيها القارئ؛ لكنني أتساءل عن شعور الحكومة: كيف حاله؟ فأنا أعلم بأن الإنسان الطبيعي العاقل عندما يسمع كلمة الظلم يشعر بأن الحياة قاسية ويحس بأن هناك خللًا ما أصاب الإنسانية، يشعر بأنه ليس هناك أمل من الانتصار، وكأن السماء انطبقت على الأرض، وكأن البشر أصبحوا كالدمى يُلعب بها ويُقطع أجزاؤها بالمشيئة الحكومية! لماذا يفعلون هذا، ولا يصدقون بأن من أصعب الأشياء التي تمر على الإنسان هو الشعور بالظلم؟

وأخيرًا، ومن باب “من لا يشكر الناس لا يشكر الله”، أود أن أشكر الحكومة الكويتية على تعليم البدون كيفية البقاء وسط كل هذا الموت أحياء، وأهنئ نجاحهم المبهر، وأبشرها بأن التعاليم أصبحت مشروعًا استثماريًا ناجحًا على حساب أرواح البدون. ومن شدة نجاحه، فقبل سنة انتحر أحدهم عند باب مراجعة تعديل الأوضاع، ومن حسن الحظ ترك رسالة : “زُهِقت روحي من الغنى، أود أن أرى العالم الآخر“، مشددًا في رسالته على أن سبب الانتحار من (شدة الغنى).

أقول قولي هذا وخفت آلام أسنان “الثعلب البدون”، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.