عربي وعالمي

أسرار المعركة بين السيسي ومشيخة الأزهر

على الرغم من نفي مشيخة الأزهر، ومؤسسة الرئاسة، أي خلاف بينهما؛ عقب بيان هيئة كبار العلماء، الخاص بإقرار وقوع الطلاق الشفوي؛ مادامت الشروط الشرعية لذلك قد تحققت، إلا أن هناك حالة إجماع بين المراقبين، بأن موقف أعلى مرجعية فقهية بالأزهر، وبيانها شديد اللهجة، ضد توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتوثيق الطلاق شرطًا لوقوعه أعطى مؤشرًا قويًا على اشتعال الحرب الباردة بين الرئيس والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر.

الأزمة المكتومة ظهرت تجلياتها في أكثر من موقف، وبدت أكثر وضوحًا في مخاطبة الرئيس لشيخ الأزهر، خلال أحد المؤتمرات، بالقول: “تعبتني يا فضيلة الأمام”، وهي العبارة التي التقطتها أذرع السلطة الإعلامية، إلى حد أن أحدهم طالب بأن يبادر شيخ الأزهر بتقديم استقالته من منصبه، في سعة من أمره؛ قبل أن تضيق عليه الأرض بما رحبت، عاتبًا عليه محاولته التمتع بنوع من الاستقلال للمؤسسة الأزهرية، في توقيت خاطئ، يلزم بالاصطفاف مع رئيس الجمهورية أيًا كان توجهه. شيخ الأزهر من جانبه، وعلى وقع الحرب الإعلامية، والاتهامات الموجهة من قبل الأذرع الإعلامية، اختار أن يغادر القاهرة إلى مسقط رأسه بالأقصر، في تكرار لرد هادئ من جانبه على تحرشات السلطة برأس المؤسسة الدينية، وفي رسالة لا تخطئها عين المراقب؛ على رفضه لوصاية الدولة وأجهزتها الأمنية الخشنة على المؤسسة الدينية، حيث دعا الطيب، مسئولين من الأزهر إلى زيارته في الأقصر؛ لتوقيع أوراق مهمة، مفضلًا البقاء في الجنوب بعيدًا عن أجواء القاهرة الصاخبة.

إلا أن ما يصفه البعض باعتكاف شيخ الأزهر في مسقط رأسه لم يوقف الحرب الإعلامية عليه، حيث أخذت أبعادًا أكثر شراسة، ظهر في توجيه صحفي معروف بصلته الوثيقة بالأجهزة الأمنية، انتقادات حادة لهيئة كبار العلماء؛ بوصفها هيئة علماء “رابعة”، بل غمز قناة “الطيب”، بتأكيده أنه ترك الأزهر جامعًا وجامعة، ملاذًا لبقايا جماعة الإخوان، فضلًا عن صمته عن الفساد الذي يزكم الأنوف داخل المؤسسة الدينية.

غير إن هذا الاتهام واجه رفضًا شديدًا من جانب عدد من المهتمين بالشأن الإسلامي، إذ استنكره الدكتور كمال حبيب، الباحث في الحركات الإسلامية، واصفًا من يردده بأنهم “مجرد أبواق قامت بتأجير أقلامها لصالح سادتها، ولا يملكون إلا السير في ركابهم”، معلقًا باستنكار: “إذا كانت هيئة كبار العلماء هي هيئة علماء رابعة فمن تكون هيئة علماء مصر إذًا؟”.

واعتبر حبيب، الموقف الأخير لهيئة العلماء من الطلاق الشفوي، بأنه تجسيد معاصر لمعنى الإجماع، مشيرًا إلى أن هذا الإجماع تحقق من قبل علماء، مؤكدين وقوع الطلاق متى توفرت أسباب تحقيقه، بشكل يجعل للبيان حجة ارتقائه لمستوى الحكم الشرعي، وليس مجرد فتوى لمفتي.

وأشار حبيب إلى أن القول إن بيان هيئة كبار العلماء غير ملزم، مجرد مشاغبة نفسية ودفاعية لمن يطلقها، ولا مكان لها في سياق تخريجات فقهية تحكمها قواعد علمية، وليست أهواءً داخلية ذاتية.

الحرب على الطيب امتدت إلى داخل البرلمان، حيث وجه عدد من النواب انتقادات شديدة لشيخ الأزهر، مطالبين بإدخال تشريعات تشدد على توثيق الطلاق؛ شرطًا لوقوعه.

وامتد الأمر إلى المطالبة بتعديل القوانين التي تحصن شيخ الأزهر، من العزل أو الإقالة، وتطالب بتعديل القوانين الخاصة بهيئة كبار العلماء؛ “حتى لا تتحول إلى دولة داخل الدولة، فضلًا عن انعزال الهيئة عن الواقع”، كما ذكر النائب محمد أبوحامد، بينما تقدم آخرون بتعديلات تعطي رئيس الجمهورية، الحق في إقالة شيخ الأزهر. الحملة الإعلامية المتصاعدة التي طالت شيخ الأزهر، ومجموعة من المحيطين به، وأعضاء في هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية، والمطالبة بإقالتهم، جاءت في ظل اللهجة الحادة التي صبغت بيان هيئة كبار العلماء، الذي وجه انتقادات حادة للحكومة؛ عبر تأكيده أن هناك أولويات تشغل الرأي العام تتمثل في السعي لتحسين مستويات المعيشة، وليس السعي لتوثيق الطلاق من عدمه، وهو أمر دفع منتقدي البيان إلى اتهام الأزهر، وهيئة كبار العلماء، بالانخراط في العمل السياسي وتجاوز دورها الديني.

غير أن هذا الاتهام واجه انتقادات حادة من قبل معلقين ردوا على اتهامات الأزهر، بالانخراط في العمل السياسي، بالتأكيد على أن مؤسسات الدولة هي من ورطت الأزهر وشيخه في السياسة؛ عبر استدعائه للمشاركة في اجتماع خارطة الطريق، ساخرين من الأمر بالقول: “هل كان حضور الشيخ لهذا الاجتماع لإلقاء محاضرة عن الحيض والنفاس؟”، بل إن الأمر امتد إلى وصف صحف غربية، بيان هيئة كبار العلماء، بأنه رد قوي على أجواء القمع والاستبداد التي تدار بها مصر.

شيخ الأزهر من جانبه، لم يقف مكتوف الأيدي تجاه هذه الحرب الإعلامية، التي يعلم يقينًا وقوف أجهزة النظام خلفها؛ سعيًا لدفعه إلى الاستقالة، بل إن مقربين منه أكدوا أن لديه عددًا من الأوراق لمواجهة هذه الحملة، أهمها أنه يحظى بدعم شديد من رموز المؤسسة الدينية، سواء الأزهر أو دار الإفتاء، حيث استندت هيئة كبار العلماء، إلى دراسات صادرة من الأخيرة؛ للجزم بوقوع الطلاق الشفوي.

كما إنه يراهن على دعم كبار العائلات في الصعيد، واتحاد القبائل العربية، والطرق الصوفية لمواجهة هذه الحملة العاتية، وهي القوى التي كان لها دور بارز في معارضة الرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسي.

لا يتوقف الدعم الذي يتمتع به الطيب على الصعيد الداخلي، كما يؤكد عمرو عبد المنعم، الباحث الحاصل على ماجستير عن “رسالته الفتوى وقضايا المجتمع المصري في النصف الأول من القرن العشرين”، الذي يرى أن أهمية الدعم الداخلي له في معركته ضد أجهزة الدولة، لا تقل عن الدعم العربي، الذي يتمتع به في ظل علاقاته الوثيقة جدًا بكل من السعودية، والإمارات، التي كرمت الشيخ كثيرًا، فضلًا عن أن دعمها المالي والمعنوي للمؤسسة الدينية، مستمر، ولم يرتبط يومًا بالغيوم التي تحكم علاقات القاهرة بالعاصمتين الخليجيتين.

محاولة مقربين من الطيب، نفى وجود أزمة بين الرئاسة والمشيخة، ومحاولة البعض تصوير الأمر على أنه مجرد محاولة لتلميع شيخ الأزهر، وتحسين صورته أمام الرأي العام التي تعرضت لضرر بالغ؛ إثر التصاقه بالسلطة منذ الثالث من يوليو 2013؛ استباقًا لإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جماعة الإخوان منظمة إرهابية، والحاجة لدعم الأزهر لهذه الموقف؛ لإعطائه صبغة شرعية، وإحكام الحصار علي الجماعة لم تجد من يؤيدها على أرض الواقع.

وبرز ذلك في تجاهل مؤسسة الرئاسة دعوة للطيب؛ لحضور الندوة التثقيفية الأخيرة بمسرح الجلاء والاستعاضة عنه بحضور الداعية اليمني المثير للجدل الحبيب الجفري، الذي أثار حضوره وكلماته استياء الكثيرين.

وأعطت مشاركة الجفري إشارة إلى أن الحرب الباردة بين الرئيس والأزهر مرشحة للتصاعد خلال المرحلة القادمة، وأن محاولات السلطة للخلاص من الطيب ستأخذ أبعادًا أكثر شراسة خلال المرحلة القادمة.