أقلامهم

تفريط بالمسؤولية التاريخية والوطنية

كل شخص حباه الله بقدر من السلطة أو المسؤولية أو العلم أو حظوة في العقل أو التدبير أو ثقة المشورة أو القدرة على النصح، عليه مسؤولية تاريخية ووطنية، كل حسب طبيعة ومقدار نصيبه مما سبق.
في الكويت نعيش على مدى الأربعين سنة الماضية حالة جحود للمسؤولية التاريخية والوطنية لبعض المسؤولين، بتفريط أحدث نزيفا مريعا في الضمائر حتى بلغت حدا أفرغها من الحس الوطني والمسؤولية، فلم يعد لهذه الضمائر وازع وطني ولا تاريخي ولا قبل ذلك ولا بعده أي وازع ديني.

فالبعض ممن يتمتعون بقدر من السلطة بعضوية مجلس الأمة أو بوزارة أو منصب عام، يذهلك مقدار انغماسهم بالفساد أو التآمر مع المفسدين أو إتاحة الفرص لهم لممارسة فسادهم، أو على أقل تقدير يغمضون أعينهم عن ممارسات الفساد طمعا في البقاء بمناصبهم الوزارية أو استمرار عضويتهم والاقتيات على مصالح الوطن ونهب مقدراته، أو موقعهم الحكومي، وعبثا أن تستمع لأحدهم حينما يقول لك إنه لو ترك المسؤولية لمسكها من هو فاسد، وأي فساد أكثر من أن تكون مباركا للفساد أو شاهدا عليه وتظهر للناس أنك مصلح، وأنت من أدوات الفساد ورموزه، مشاريع حكومية ناجحة بيعت بطرق وأساليب تنفيعية تحت شعار الخصخصة، وها هي «الكويتية» بعد أن استعادت عافيتها تجري محاولات خصخصتها، وسيسبقها بيع شركة كاسكو الرابحة، التي ستدر أرباحا طائلة لمن يشتريها، وهناك من يرغب بخصخصة شركة المخابز وشركة المواشي، بل والمستوصفات، كما بدأت عجلة خصخصة الجمعيات التعاونية التي بدأت بإحدى الجمعيات، وكل ذلك ضرب من الفساد والتحايل على القانون والسير بركب الفساد من أجل المنصب، وحصول بعض الأعضاء في مجلس الأمة على مبالغ مليونية ليست بوضع غريب لمن ماتت ضمائرهم من الأعضاء، وما أكثرهم، فقد صدق أحد الوزراء السابقين حينما قال للسؤال ثمن وللاستجواب ثمن وغيره من الأدوات البرلمانية، فمن سعى لشراء كرسيه البرلماني بمال غيره أو بماله الحرام مستعد لبيعه بأول مزاد باستجواب أو رئاسة أو تصويت أو بغياب أو بتحقيق برلماني وغيره، وحسنا فعل النائب العدساني ومن معه، فتطهير بيت الأمة أولى وبه البداية. وقد سقط معظم أصحاب الفكر والمثقفين والنخب السياسية والاجتماعية، إذ إن رأيهم تلجمه المصلحة وتحرفه التنفيعات وتغير وجهته المناصب والعطايا، فصار مأجورا، وعند سماعك له تجده مشروخا معلولا ضعيفا يصبغ المشروعية على سوء الإدارة والفساد بدل اجتثاثه ونفض غباره عن وجه الوطن الذي صار مشوها وتردى شاحبا. بل إن من تمت الاستعانة بهم لما عرف عنهم من رجاحة عقل وحسن تدبير صار مفذلكا في ابتداع أساليب ووسائل التدمير، وآذانا وآذى الوطن بالتنظير المستطير لأنه غرق بمستنقع المصالح والفساد، أما من وضعت فيه ثقة المستشار وطلبت منه المشورة فصار رأيه موقوفا ومألوفا بمسايرة من طلب المشورة، فمن تكن مشورته بمقابل وبمكافأة يترقبها وتسيطر على عقله وقلبه فلا خير في مشورته، وأخطر مشورة المنحرفة بموقف مسبق مسايرة لأحد أو لتشويش الرأي المحق طمعا بالمكافأة والمنصب، وعليكم تدقيق ذلك، وهكذا ضاعت المسؤولية وتلاشت كل جوانبها لدى بعض الوزراء والنواب والمسؤولين والنخب والمفكرين والزعامات السياسية والاجتماعية والمستشار والناصح، فصاروا مفرطين بالمسؤولية التاريخية والوطنية.