أقلامهم

في وطني كم يدَّعي الإصلاح مُفْسِد!

في جميع الأوطان ثلاثة أصناف من الناس، مصلح ومُفسِد وصامت.

المصلح هو الذي يتمنى الخير لبلده فيؤدي ما عليه من واجبات قبل أن يُطالب بالحقوق، ويحافظ على ممتلكات الوطن وثرواته ويدعو غيره للمحافظة عليها، ويقف في وجه المفسدين ويسعى لمنعهم من تحقيق مرادهم.

وهناك المفسد الذي يريد تحقيق مصالحه الشخصية – ولو بطريقة غير مشروعة – وإشباع نزواته وشهواته – ولو كانت على حساب مخالفة الدين والأخلاق والقانون.

وهناك الفئة الثالثة وهم الصامتون، الذين أقصى تفكير أحدهم أن يتوفر لديه المأكل والمشرب ومكان النوم، ولا يعنيه شيء آخر ولو احترقت البلاد!

هناك فساد إداري ومالي، معشش في العديد من المؤسسات والهيئات، وهذا الفساد يستنزف ثروات البلد، ويعطل التنمية، ويؤخر مصالح الناس. ومحاربة هذا الفساد واجب على الوزراء والوكلاء والمدراء، كل حسب موقعه وصلاحياته.

وينبغي على من يتولى المسؤولية الأعلى فوق هؤلاء، أن يعينهم ويدعمهم في إجراءاتهم الإصلاحية، لأن كل مسؤول لن يتمكن من تحقيق الإصلاح ما لم يكن هناك دعم من المسؤول الأعلى منه.

وتقع مسؤولية محاربة الفساد على عاتق نواب مجلس الأمة الذين يملكون المراقبة والمحاسبة على السلطة التنفيذية، ولديهم العديد من الأدوات، بدءا من السؤال وانتهاء بالاستجواب وطرح الثقة.

وينبغي على الشعب كذلك أن يُراقب أداء النواب، ويحاسبهم في حال تقاعسهم أو تخليهم عن القيام بالأدوار التي انتخبوا من أجلها.

وأما النوع الآخر من الفساد فهو الذي يتعدّى على القيم والأخلاق، تقوم عليه مؤسسات وعقول مدبرة، تدعمها قوى داخلية وخارجية.

تنفق هذه القوى الأموال، وتستخدم النفوذ، وتستغل الثغرات، من أجل نشر سمومها في المجتمع.

هناك سعي لإغراق المجتمع بالخمور والمخدرات، وهناك مكر لنشر التفسخ والانحلال الخلقي، وهناك مكائد لتدمير أخلاق جيل المستقبل.

ََفَتَحْتَ شعار الحرية، يريدون الفتاة أن تخرج عن الشرع والأعراف والتقاليد، وتحت شعار الانفتاح يريد السماح للمثليين بممارسة شذوذهم. وخلف ستار المدنية والحضارة يشجعون على ممارسة العلاقات المحرمة بين الجنسين.

ويحاولون تشويه صورة من يغار على عرضه وشرفه، ويجعلونه في خانة التخلف والرجعية!

يحاول هولاء المفسدون تدمير الأخلاق، تحت شعار الترويج السياحي، والعولمة، والرياضة والفنون.

ينطبق عليهم قول الله تعالى «وإذا قيل لهم لا تُفسِدوا في الأرض قالوا إنما نحن مُصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون».

والواجب مواجهة هؤلاء، وكشف مكرهم، ومنعهم من تنفيذ مخططاتهم، وأن يشارك الجميع في المواجهة كلٌّ بحسب موقعه وقدراته ومسؤولياته.

أتمنى من كل مواطن أن يُحدد مكانه بين الأصناف الثلاثة التي ذكرتها في بداية المقال: مصلح – مفسد – صامت «والله يعلم المُصْلِح من المُفْسِد».

في المقال السابق أشرت إلى الفساد الذي أزكم الأنوف في وزارة الصحة، وإلى ساعة كتابة المقال لا أعلم ما هي نتيجة الصراع بين المصلحين والمفسدين، وهل تمكن الوزير من إزاحة أهل الفساد أم أن نفوذهم كان أقوى منه.

وبلا شك أن النتيجة ستعطينا مؤشراً إن كانت البلاد تسير نحو الإصلاح أم أنها ستظل ضمن قائمة الدول المتأخرة والمتخلفة، التي ترى الفساد ثم تعجز عن محاربته؟