آراؤهم

مخلّفات العولمة النيوليبرالية

‫يستهِلُّ هلالي كاتباً، وبكل ثقة.. إن ‬طرح مواضيع ، من مثل : تفاوت الثروات بين الطبقات على المستوى القومي والمستوى الدولي، والصراع الطبقي ، جرّاً إلى التحذير من مخاطر إمتداد العولمة النيوليبرالية ؛ أصبح ضرورة إنسانية عمومية لا تقتصر فقط على الرِّكس اليساري.

يجري فرض البربرية على جزء كبير من البشرية. وصقلاً ، سأقوم بإحياء الذكرى التي كانت تسكن إريك توسان. هي ذكرى أطفال شوارع مدينة كارتاخينا دي لاس إندياس في كولومبيا، وهم يبحثون عن الصمغ ليشمّوه فور شروق الشمس ؛ بعد نومٍ طويلٍ على قطع الورق المقوّى. كانت أعمارهم تتراوح ما بين ٧ أعوام و١٠ أعوام. بالنسبة لهم ، لا حق لهم في الغذاء ولا في اللباس ولا حتى في خدمات الرعاية الصحيّة والتعليمية والعاطفية. لقد وصل الأمر بهم ؛ كذلك بآلاف الأطفال من أعمارهم ، إلى استنشاق الصمغ صدّاً لسيف الجوع الذي يسيطر عليهم عند النوم والاستيقاظ. يدفعني التساؤل : ما الذي تعنيه كلمة «إفطار» بالنسبة لهم ؟ ليس لديهم أي حق في الإفطار ولا في الغذاء .. فأتوقع أنها تعني النعيم الأبدي! فعلياً ، لقد خلّفت النيوليبرالية المتوحشة مشاعر كهذه!

يقول توسان : حين قدمت لهم طعاماً في أحد أكشاك ميناء كارتاخينا، أخذوا يبتلعون الطعام ببطء. لم تكن أجسادهم معتادة على الطعام ، بل على أبخرة الصمغ التي تريحهم وتدمرهم في آنٍ معاً. فما هو متوسط الحياة المتوقع لديهم ؟ عشرون عاماً ؟ خمسة وعشرون ؟ إنها حتماً تقصّر أعمارهم! إنهم للأسف مثل “ورق القات” الذي يُرمى بعد استهلاك المنتج. إنهم أولئك القابلون للرمي، الذين تقتلهم الشرطة والجيش في كولومبيا والبرازيل والفيلبين «تنظيفاً» للمدن.

وفقاً لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( اليونديب UNDP ) لعام ١٩٩٧م ، بلغ عدد أطفال الشوارع في البرازيل ٢٠٠ ألف طفل، أُغتيل المئات منهم على يد “قوات النظام” في السنوات الأخيرة. ومن جهة أخرى يُرغَم ٢٥٠ مليون طفل في العالم ، تتراوح أعمارهم بين ٥ و ١٤ سنة على العمل للبقاء على قيد الحياة ، وإعادة إنتاج فقرهم بشكل مستمر، للحفاظ على مصالح “الأيدي الكبيرة” التي تستغلهم بشتى الطرق بهدف زيادة إنتاجهم وما يجنوه من أرباح.. وهكذا يكون الخضوع سداً لثغرات الرمق.

ختاماً، لا يمكن لأي كائنٍ من كان ؛ يكنُّ لنفسهِ قليلاً من الإحترام، أن يبقى عديم الاحساس في مواجهة الطغيان الذي خلّفته العولمة النيوليبرالية. و‫لقد أكدّ الرفيق كارل ماركس على أن انعتاق المضطهدين والمضطهدات لا يكون إلا بالمشاركة الجماهيرية. والهدف الأساسي الذي ينبغي مواصلة السعي إليه دون هوادة ، هو المساهمة بهذا الانعتاق والتعجيل به بكل الوسائل الممكنة. فالكاتب يساهم بقلمه والشاعر بقصائده والرسّام بنثر الدُر من فرشاته.. إلى أن نستكفَّ شداً للوثاق بما استطعنا من مهنٍ وحُرَف تحقيقاً للحياة بطابعٍ جماعي وتعددي.