أقلامهم

همسة في أذن العرّاب

شكراً مجلس الوزراء، الذي حسم موضوع استقالة وزير الصحة، ونزع فتيل أزمة كادت تعصف بالعملية السياسية وترجعنا إلى المربع الأول، وشكراً لنواب المعارضة البرلمانية، الذين عالجوا الموضوع بهدوء وحكمة، بعيداً عن التكسب السياسي والصخب الإعلامي. واليوم، سأتناول ردة فعل البعض، الذين ما زالوا يعيشون في جلباب الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ويرفضون الاقتناع بأن العملية السياسية تتطور وتتغير حالها حال بقية مناحي الحياة ومظاهرها!

في الزمانات من القرن الماضي، كنا نرى التفاهم مع الحكومة والجلوس معها للتنسيق، بعيداً عن قاعة المجلس، أمراً معيباً وانتهاكاً صارخاً للمفاهيم الدستورية الراسخة، وكنا نجهل وقتها مدى كفر البعض بالدستور والعملية السياسية، لذلك كان إصرارنا على مواقفنا المتشددة أمام الحكومة مبرراً في ذلك الوقت، ساعدنا في ذلك أن الديموقراطية الكويتية كانت حلم معظم أهل الخليج، وكان سقف الحريات العامة عالياً، لدرجة أنه لم يكن أحد يجرؤ على التعدي على حقوق المواطنين ومكتسباتهم!
اليوم الأمور تغيرت، فبعد الثورات المضادة للربيع العربي، ودعم التيارات الليبرالية والعلمانية والقومية لهذه الانتكاسة وتنكرها لمبادئها، أصبح حلم المواطن العربي بالعيش في ظل نظام سياسي ديموقراطي كامل شبيه بحلم إبليس بالجنة كما يقولون، وتم تقييد الحريات العامة، وتراجع الوضع السياسي في الكويت بدرجات ملحوظة، وانتشر الفساد في معظم مرافق الدولة، وبدأنا نرى سجناء الرأي، بعد أن كنا نفاخر بعدم وجود سجين سياسي واحد لدينا، وظهر لدينا مجلس ضعيف وقوانين مقيدة للحرية، واستخدمت الحكومة العنف مع المعارضين لها، حتى أصبح الحراك الشعبي بلا حراك، مما اضطر القوى السياسية إلى إدراك أنها تعيش في حقبة زمنية جديدة أفرزتها مرحلة التراجع والانتكاس التي تعيشها الأمة، فقررت التراجع قليلاً، والتنازل عن بعض المواقف، وإعادة ترتيب صفوفها، لتبدأ عملها الجديد وفق رؤية جديدة ومنهجية جديدة، قوامها ما لا يدرك كله لا يترك جله، واحتمال أقل الضررين بدفع أكبرهما!
واليوم نشاهد ونعايش هذا الأسلوب الجديد للمعارضة في التعامل مع الأحداث، ونتمنى أن نرى قريباً قطف الثمار لهذا التغيير، ومن يطالب المعارضة السياسية بالعودة إلى الوراء واتباع سياسة عض الأصابع مع الحكومة، فهذا يريد إرضاء غروره بأن موقفه من استمرار المقاطعة هو الأنجع!
أنا أعلم جيداً أن المسألة ليست بالهينة، لأن بعض العقليات التي تتعامل معها المعارضة داخل البرلمان ما زالت غير مقتنعة بالديموقراطية، ولكن الحكمة ضالة المؤمن، والجو في المنطقة وفي العالم معها، حتى رأينا الدول الغربية حامية حمى الديموقراطية العالمية تدعم بعض الدكتاتوريات في عالمنا العربي والإسلامي، لذلك أعتقد أن التعايش مع الوضع الجديد من دون التنازل عن المبادئ العامة للعمل السياسي، كمحاربة الفساد أينما وجد، واحترام الرأي الآخر، والحريات العامة، والمحافظه على ثوابت الدين والأخلاق العامة، أعتقد هذا التعايش هو المطلوب اليوم!
اليوم رأينا كيف تجاوزنا أزمة الصحة بالتفاهم، وغدا سنرى بإذن الله إرجاع الحقوق لأصحابها بالتفاهم أيضا، وإن تبين لنا أن التفاهم لا يرجع الحقوق، فالأمر ما زال باليد، ويمكننا حينها استخدام وسائلنا الدستورية، وليكن ما يكون!
همسة في أذن العرّاب، أعط إخوانك فرصة لإثبات مرئياتهم ونجاح أسلوبهم، فمن يدري قد نراك غدا تضع إيدك بيدهم، وتشد من أزرهم، أو يقتنعون أنهم يركضون خلف سراب، عندها يكون لكل حادث حديث!