أقلامهم

زحمة التكسب الخانقة

الزحمة هنا ليست شراً مستطيرا فقط، بل “مشوارا” طويلا لا بد منه! إن ذهبت لعملك حشرت الزحمة أنفها داخل عقارب ساعتك لتنعم دقائقك وثوانيك بعطلة زحمية معتبرة، وإذا أردت تخليص معاملة ما فرضت زحمة الأرقام نفسها عليك فرضا لتجعل حساب بندر ساعاتك مختلفا عن حساب حقل أشغالك، وأخسرتك تجارة العنب يا ناطور المعاملات! وإن كتب الله عليك موعداً طبيا فسيحاصر ميعادك اثنان لا ثالث لهما ألم المرض و”لؤم” الزحمة إياها التي تقود أوركسترا انتظارك بعزفها النشاز، والذي هو نشاز يطلع روحك، ومنشار طالع واكل من صحتك ونازل واكل من بقايا صبرك!

لكن كل ما ذكرته من أنواع “الزحمات” يهون عند زحمة أخرى تدعى “زحمة التكسب”، فهذه الزحمة بالذات لا تضيع الأوقات فقط، بل تضيع حقوق الجنود المجهولين الذين يكون آخر همهم دعايات البطولة وكرنفالات التطبيل والتهليل، كما تضيع فوق البيعة القضية ذاتها ليتفرق دم حلولها المرجوة بين قبلات الخشوم و”حبات الراس” و”تحذف العقل”!

زحمة التكسب هنا هي إدمان، أجاركم الله، ابتلي به سياسيونا ومغردونا إلا من رحم الله، تذكرون ميداليات الأولمبياد وكيف ازدحمت على مسار شوارع إنجازها أرتال التكسب! كانت زحمة يا دنيا زحمة رغم أن جنودها المجهولين من اللاعبين قدموا إنجازهم بذراعم لا بألسنة وأكف من تكسب عليهم، وتذكرون وعود النواب خلال الحملات الانتخابية- لا أقصد الانتخابات الأخيرة فقط بل على مدار سنوات طويلة- وكيف تزاحم المرشحون متكسبين حول قضايا جيب المواطن البسيط والبدون والجناسي وتشريعات وقوانين الحريات وقانون الانتخابات وغيرها، وكانت النتيجة الوحيدة التي حصلنا عليها من هذا الإدمان التكسبي هي تعطيل سير القضايا ذاتها و”قلصها” لـ”سكراب التسويف”، وحصرها بحصار “الهياط” داخل إطار فلاشات الإعلام ومانشيتات الصحف وأصوات الصناديق الانتخابية، أو حتى زيادة الفلورز والرتويت وخلافه!

الخلاصة: لا بد من تحديث أمثالنا الشعبية لتوافق تطور العصر، فمثلا مثل “ما شافوهم وهم يسرقون شافوهم وهم يقتسمون”، ممكن أن يتطور لــ”ما شافوهم وهم ينجزون شافوهم وهم يتكسبون”، وبالأخير كلاهما سواء الأول “حرامي أموال” والثاني “حرامي آمال”.