أقلامهم

لن تصمد مرافقنا الصحية كثيراً

ردود فعل غريبة وعجيبة على اجتهادات بعض النواب لإنقاذ مرافقنا الصحية، بعد الاستنزاف والاستهلاك المفرط لها، والذي أدى خلال العقدين الأخيرين إلى تدهور كبير لجودة العناية الطبية التي تقدم للمواطنين والمقيمين في البلاد، وازدحام تلك المستشفيات والعيادات الطبية الحكومية بأعداد غفيرة من المراجعين.

اجتهاد النائبة صفاء الهاشم بعدم صرف الأدوية الحكومية إلا للمواطنين واجهته انتقادات غير مبررة، وكلها جاءت بعناوين إنسانية بعضها غير بريء، خاصة أن “كارتيل تجار الصحة”، والمكون بشكل رئيسي من تجار الأدوية الذين يحققون أرباحاً فلكية من بيع الدواء والتجهيزات الطبية للحكومة بأسعار مضاعفة عن الأسعار السائدة في المنطقة، سيتضررون من قصر صرف الدواء على المواطنين الكويتيين، وسيحجم الوافد عن شراء الأدوية إلا للضرورة.

المشكلة أن “الإنسانيين” الذين يرفضون وقف صرف الدواء الحكومي لغير الكويتيين لا تتحرك إنسانيتهم عندما يرتفع سعر البنزين فيتضرر الكويتيون ذوو الدخل المحدود من المتقاعدين من أصحاب الأسر الكبيرة، والذين لا يزيد دخلهم الشهري على ألف دينار، أو عندما يخفض راتب أرملة أو مطلقة كويتية من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، كما أنهم لا يمكنهم أن يعطونا مثالاً عن دولة في الشرق أو الغرب تمنح الرعاية الصحية كاملة والدواء مجاناً أو بمقابل رمزي “دينار” للأجانب، كما يحدث في الكويت، بل إن مئات آلاف المعدمين من أميركا اللاتينية الذين يدخلون إلى الولايات المتحدة الأميركية لجني المحاصيل والأعمال الدنيا يعانون لسنوات وأحياناً يموتون قبل أن يصلوا إلى العيادات المتخصصة أو غرف الطوارئ في المستشفيات الأميركية.

أحد الأقرباء كان في دولة خليجية في موسم العطل الأخير، واحتاج أحد أفراد أسرته إلى مراجعة طبية عاجلة، وبعد معاناة استطاع أن يدخل إلى الطبيب في مركز طبي حكومي، وعندما ذهب لصرف الدواء طالبه موظف الصيدلية في المركز الصحي الخليجي بشرائه من الخارج، رغم إبراز هويته الكويتية، وترديده بأنه خليجي من أبناء مجلس التعاون الخليجي، فقال له الموظف: “لا نصرف الدواء إلا للمواطنين فقط”، في أوروبا أيضاً لا يمكنك أن تدخل فضاء “الشينغن” دون تأمين صحي، وإذا حصلت على إقامة هناك فإنها تسقط فوراً إن لم تجدد التأمين الصحي، أو يدفع رب عملك تكاليفك الصحية كاملة.

ما يحدث في الكويت شيء خارج العقل والمنطق، فحكومتنا ستستدين عبر سندات دولية بقيمة 3 مليارات دينار، بينما هناك ما يوازي ذلك المبلغ أموال ترسل خارج البلد سنوياً بدون أي ضريبة أو رسوم! ومرافق صحية تستنزف وتنهار ولن تصمد أمام هذا الضغط الهائل من الأجانب، بينما المتنفذون من أبناء البلد وأصحاب الأعمال يرفضون أيضاً تحمل الوافدين مصاريف رعايتهم الصحية حتى لا ترتفع عليهم كلفة العمالة الأجنبية التي يجلبونها لوطنهم! وحالمون يتكلمون عن الإنسانية، بينما الوضع يزداد سوءاً، وكأنهم يريدون أن يخربوا البلد ويجلسوا على تلها.

بالتأكيد الدعم الإنساني مطلوب والرعاية الصحية من أساسيات ذلك، ولكن لا يمكن استخدام تلك الشعارات لخدمة المستغلين و”المتمصلحين” من هدر أكثر من مليار دينار “3.3 مليارات دولار” على الخدمات الصحية التي تستنزف، فيما يمكن دعم الجانب الإنساني عبر صناديق إعانة المرضى، لتقديم المساعدة للمحتاجين فعلياً لخدمات طبية، أما بقاء الوضع الصحي في الكويت على ما هو عليه حالياً… فهو خيانة للبلد وأهلها.