أقلامهم

6 سنوات على ثورة سوريا.. مصير الثورة يقرر المستقبل العربي

سيسجل التاريخ بأن ما وقع في سوريا منذ 2011 ارتبط بفقدان النظام السوري لشرعيته بينما كان الشعب السوري يسعى للإصلاح عبر التجمع والتظاهر بوسائل التعبير السلمي. لكن النظام لم يجد طريقا، بسبب خوفه من أدنى إصلاح، إلا بمواجهة الكلمة بالرصاص والتجمع السلمي بالدبابات والصورايخ الطويلة المدى.

ولم يرتفع منسوب الغضب السوري الشعبي تجاه النظام إلا بسبب الرد الأمني للنظام. لقد واجه نظام الأسد التظاهرات السلمية بدموية غير مسبوقة في التاريخ الحديث. إن حكم التاريخ لن يتغير، والمحاكمة التاريخية والقضائية والإنسانية على جرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري ستلاحقه في الزمن القادم.

لقد قامت ثورة سوريا ضمن حالة أوسع منها في تونس كما وفي مصر وليبيا واليمن، تلك الحالة المرتبطة بالثورات العربية أرادت لكل العرب حياة تخلو من الديكتاتورية والحكم العسكري والظلم والأحكام العرفية وفساد الأنظمة وجمود النخب. كان تحرك الشعب السوري عفويا وإنسانيا/ مبدعا، إذ استمر بلا انقطاع بالرغم من تصفية النظام لأولوف النشطاء السلميين المعتدلين في الشهور الأولى من الحراك الكبير. وقد اعتقد النظام السوري في كل مرحلة بأنه قادر على إيقاف زخم التغير، ولهذا سعى عند كل منعطف لكسب الوقت، وهذا جعله يدخل عوامل وعناصر جديدة في سياسة قمعه للشعب السوري، لكنه اكتشف بنفس الوقت بأنه لا يستطيع السيطرة على هذه العوامل وتفاعلاتها.

لقد استعان النظام السوري بقوى خارجية عندما أوشكت الثورة على الانتصار مع 2012-2013، فهو من جهة أطلق سراح كل المتطرفين في سجونه في العام 2011 على أمل أن يصادروا سلمية الثورة وروحية التضامن الدولي معها، وعندما فشل بحكم زخم الثورة وامتداد الجغرافيا استعان بحزب الله وإيران، وعندما فشل في هذا بعد سنوات من القتال وبينما يدمر معظم سوريا ويشرد الملايين ويقتل مئات الالوف، وجد في الاستعانة بروسيا منذ 2015 فرصة جديدة لتحقيق البقاء.
وفي كل تدخل دولي فقد النظام السوري جانبا أكبر من شرعيته، لكن المعارضة السلمية هي الأخرى فقدت توازناتها بفضل حدة القمع والقصف والتدمير، وبفضل مصادرة المتطرفين كداعش لدورها ومكانتها. لقد سقط النظام السوري تاريخيا لمجرد حاجته لاستخدام هذه الدرجة من القوة والعنف ضد الشعب، وسقط ايضا بسبب هذا الاعتماد الكبير على الخارج، لكن المعارضة السورية لم تسقط تاريخيا (وإن سقطت بعض فئاتها)، وذلك بفضل وجودها خارج السلطة، وبفضل الفراغ الذي لا يمكن ملؤه إلا بدور واضح للشعب السوري.
إن نهاية دور المتطرفين في الساحة السورية بما فيها جبهة النصرة ليست نهاية للمعارضة، وذلك لأن جوهر المعارضة السورية كان ومازال مرتبطا بالحراك السياسي الشعبي، الذي حمل قضية الديمقراطية والحقوق والعدالة في تظاهرات وحراكات عمت المدن السورية.
في الذكرى السادسة للثورة مازالت سوريا بعيدة عن الحسم. إن نجاح أو فشل الحلم السوري في المدى الاستراتيجي هو الذي سيقرر مصير المشرق العربي بل والعالم العربي، فلولا أهمية سوريا لما تداخلت كل هذه الدول والميليشيات من خارج سوريا في محاولة لمنع انتصار ثورتها الديمقراطية، فسوريا تمثل قلب الثورة العربية. وبينما مازال صوت الرصاص في كل مكان في سوريا إلا أن الغائب الأهم منذ دخلت سوريا مرحلة العنف هو صوت الشعب السوري الذي سعت اطراف النظام واطراف المتطرفين كداعش واطراف روسية وإيرانية بل وداعمة لمصادرته بطرق مختلفة. بعد ست سنوات على الثورة لابد من استعادة الحراك السوري السياسي كما وخلق إطار وجسد للقوى المسلحة والشعبية يتمتع بالاستقلالية عن كل القوى المحيطة بما فيها تركيا. وعلى هذا الجسد أن يحمل تصورات سوريا ومستقبلها أولا. سوريا اليوم تواجه مفترق طرق، فسؤال الحرية والديمقراطية وحقوق الشعب في مواطنة متساوية في ظل العدالة والتداول على السلطة سيبقى الأساس المحرك للمستقبل السوري.