آراؤهم

كيف تحصل على ٤ملايين في١٢ساعة؟

ما دفعني إلى كتابة هذا المقال هو إنجاز كوكبة من شباب الكويت على رأسهم المدوّن الرائع محمد الحصينان، صنيعُ هؤلاء المبادرون المتطوّعون بجمع ما يقارب الأربع ملايين دولار خلال ساعات بسيطة تفوّق على ًعمل بعض المبرّات والمؤسسات الخيرية بموظفيها المتفرغين لمدة عامٍ كامل، علماً بأنها لم تكن هذه المرة الأولى فقد تم جمع مبلغ مشابه في #آبار_الخير كذلك، هل يجب أن تمر قصة النجاح مرور الكرام أم ينبغي علينا أن نقف عليها ونلخص التجربة بنقاط يتسفيد منها الجميع في حياتهم عامة والقطاع الخيري في حملاتهم خاصة، سأتكلّم هنا فقط في تخصصي ومن وجهة نظر تسويقية أشرح فيها ما استخدمه الشباب في حملتهم الجبّارة التي أسأل الله تعالى أن يخلص نيّاتهم ويكتب أجرهم ويضاعف لهم ولمن ساهم في المشروع.

عنصر التشويق هو إحدى وسائل التسويق والتي تستخدم لترويج الحملات والبضائع وغالباً ما تكون مبهمة وتثير تساؤلات الناس، فيبدأ الحديث عنها وكلٌ يدلو بدلوه ويتوقع الموضوع وتهدف هذه الفكرة إلى الاستحواذ على تفكير الناس وحديثهم في مجالسهم وإشعال فضولهم عن طريق تخمين ما الذي سيحدث، وهذا فعلا ما انتهجه الشباب حيث بدأوا حملتهم “ترقبوا الحملة الرابعة في أفريقيا” ..” انتظرونا الأربعاء القادم” ثم أعلنوا عن عنوان الحملة #أيتام_الخير وتفاصيلها.

العنصر التسويقي الآخر هو ارتباط المشروع برمز حيث أن وجود رمز لمشروع أو شركة يضيف الكثير للسمعة ويساهم بنجاح المشروع، واستخدام قامة العمل الخيري د.عبدالرحمن السميط كان له بالغ الأثر فعلامته الشخصية في العمل الخيري تحمل في طياتها رصيد كبير مبني على ثقة الناس وإعجابهم بما قدّم- رحمه الله- وهنا لابد أن أفرّق للمهتمين في التسويق ما بين الرمز والمشهور فالرموز تصنع نفسها بإنجازاتها أما المشاهير فيمكن أن تصنعهم وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، ووجود ابنه د.عبدالله الذي يسعى أن يكمل المسيرة الخالدة وأن يمشي على خطاه له أثر طيّب في تذكير الناس وربط المشاريع بهذا النموذج الاستثنائي الدكتور عبدالرحمن السميط رحمه الله.

أما بالنسبة للعنصر التسويقي الثالث فهو معدّل الثقة، استطاع المدوّن محمد الحصينان ببساطته أن يملك قلوب الناس ويحوز على ثقتهم ورضاهم وبالمناسبة خبراء التسويق يعتمدون على الشخصية التي تروّج لخدماتهم أو منتجاتهم ويحرصون أن تتطابق مع ما يقدمون فيكون الشخص مؤثر على قرارات الناس وللعلم توجد مقاييس لمعدّل الثقة يستخدمها من يعمل في مجال بحوث التسويق وهذه النقطة يتميّز بها الشاب المتواضع بوسالم الحصينان فهو قريب من الناس عفوي وصادق في تعامله معهم وسريع الوصول إلى القلوب والعقول.

وبالنسبه للعنصر التسويقي الرابع هو التواصل الفعّال، ففي الشركات الكبرى يضعون خطة (إدارة العلاقات مع العملاءCRM) بحيث تحدد كيفية التواصل معهم والوسائل التي تستخدم وفي أي فترة، وعندما نأتي لفريق الحملة نجد ثلاث مصورين مبدعين

ماجد الزعابي @‪majedphotos‬
عبدالله الشايجي @shaijieee
عبدالرحمن البداح ‪ @Albedah_Eye ‬

إنهم فريق الأحلام شباب محب للخير ومتخصص في نقل الصورة وتفاصيل الحملة باحتراف وبشكل مباشر وبعدة وسائل هذه المهارات تجعل المتبرعين يقفون عند تفاصيل يوميّاتهم يعيشون معهم المواقف ويتبادلون المشاعر والأحاسيس هؤلاء الفنانون هم مهندسو الحدث وصنّاع اللحظة قرّبوا الصورة وأوصلوا الحقيقة كما هي وعندما تكون الرسالة واضحة وتبعث عن طريق أداة ناجحة تصل إلى الشريحة المستهدفة ويتحقق الإنجاز.

العنصر التسويقي الخامس هو استراتيجية الوقت المحدد،
وهي إحدى الاستراتيجيات في التسويق عادة ما تستخدم في المحلات مثل “سارع قبل نفاد الكمية”..” تخفيضات ولفترة محدودة فقط” هذه العبارات تجعل قيمة الشيء أعلى وكذلك تجعل الشخص يسارع بالشراء أو الاستفادة من العرض قبل فوات الأوان وعند استخدام هذه الاستراتيجية يحس المشارك أو المستفيد بأنه اقتنى شيء مميّز أو شارك بالنجاح واسثمر الفرصة وهذا بالضبط الأسلوب الذي انتهجه الأخوان في #أيتام_الخير فقد حددوا ١٢ ساعة فقط فالذي يأتي بعد هذا الوقت لن ينال شرف المشاركة.

ويأتي تنوّع الشرائح كنعصر سادس لنجاح المشروع، فعادة ما تركز استراتيجيات التسويق على شريحة معينة لكي تصمم حملتها بناء على احتياجها وتطوّر المنتج أو الخدمة حسب ما تفضّله هذه المجموعة ومن الصعب جدا أن تغطى كل الشرائح بنفس الوقت، لكن في قصتنا هذه صُنِعَت المعادلة الصعبة بأيدي الثلة المباركة فقد انشرت الحملة بين أوساط المجتمع كبيرهم وصغيرهم الملتزم وغير الملتزم وكذلك تنوعت البرامج المستخدمة : واتس اب تويتر انستقرام سناب جات وغيرها، ولا يفوتنا أن نشير إلى دور مؤثري الإعلام الاجتماعي وتفاعلهم مع الحدث فقد كانوا لاعبا أساسيا في ترويج الحملة عبر محتواهم كلٌ في مجاله سواء كلمة أو صورة أو فيديو.

وأخيرا الشفافية والوضوح
وهذه النقطة مهمة سواء كان مشروعاً تجارياً أو عملاً خيرياً فالمؤسسات الغير ربحية تتنافس على أموال المتبرعين ويجب أن تكون جميع الأمور واضحة وفي كل الأوقات؛ قبل بداية المشروع وأثناء العمل وبعد الإنجاز يجب أن يكون العميل على بيّنة، وبالنسبة لفريق أيتام الخير فقد امتازوا بالوضوح من ناحية المبلغ الذي تم تجميعه وأن قيمة الاستثمار” كفالة اليتيم” هي ٣٠٠٠د.ك وكذلك أن جميع المبلغ سيصل للأيتام وليس هناك مصاريف إدارية كتذاكر السفر أو نسب ومكافآت للمشاركين ولكن غابت عنهم توضيح بعض المعلومات وهنا درس للعاملين بالقطاع الخيري أن يكون المشروع واضح بالتفاصيل وليس مبهم فهناك الكثير من الأسئلة التي لم يكن لها جواب سواء في موقع العون المباشر أو حسابات التواصل الاجتماعي على سبيل المثال: في أي دولة سيكون الوقف؟ اذا كانت دولة مستقرة واقتصادها ينمو بشكل ثابت سيكون المتبرع مطمئن أن الوقف سيستمر باذن الله خصوصا أن جمعية العون المباشر تعمل في أفريقيا وبعض الدول أمورها السياسية والاقتصادية غير مستقرة ، ما هو نوع الوقف؟ وكيف يدر المشروع على الأيتام ومن سيديره؟ هل هو مجمع أم عمارات أم محلات أم مزارع وما هو عائد الاستثمار منها ومتى سيبدأ العمل بالوقف ومتى ينتهي ومن أي تاريخ سيتم كفالة الأيتام وهل ستدير الأوقاف شركة محترفة كوسيط ثالث أم سيكون تحت إشراف العون المباشر، فيجب أن يسوّق للمشروع وكأنه شركة استثمارية نعم الثقة موجودة لكن هذه المعلومات تضفي الشفافية على المشاريع وكذلك تعطي صورة عن احترافية المؤسسة وإدارتها المتميزة.

أتمنى أن تساهم هذه الكلمات في تطوير أعمال الخير في مختلف دول العالم وأن يستفيد منها الجميع

عمار علي الكندري