أقلامهم

ما العمل مع الإصلاح الاقتصادي؟!

لا جدوى من محاولات وزير المالية تعديل وثيقة الإصلاح الاقتصادي بين كل فترة وأخرى، كي يتوافق الموقف الحكومي ورؤيته مع طرح عدد من النواب المعارضين لتحميل المواطن المزيد من التكاليف المالية، وبصرف النظر عن محتوى الوثيقة “القديمة” أو “القادمة” أو “المعدلة”، وما إذا كانت مجدية أم لا لتجنب الدولة الإعسار الاقتصادي الذي تظلل أغبرته سماء دول الريع الخليجية بلا استثناء؛ يبقى يقيناً أن أي طروحات لهذا الإصلاح لن تتحقق ما ظلّت قناعات الاستئثار بالسلطة وعدم توسيع المشاركة السياسية باقية.

في الماضي القريب كانت فلسفة الحكم لعقود طويلة، ومنذ لحظة ولادة الدولة المستقلة، أنه عبر دخل النفط ووفرة وجزالة العوائد المالية يمكن صرف نظر المواطنين عن أي تطلعات للمشاركة في القرار السياسي، وحين بدأت العوائد المالية لدول الريع تنخفض بسرعة مذهلة مع سقوط أسعار النفط، وضعفت، بالتالي، قدرة الأنظمة لشراء ود ورضا المواطنين وجدت الأنظمة ضالتها في تبنّي وصفات الخصخصة للاقتصاد، كما يطرحها خبراء الصندوق والبنك الدوليين، أو خبراء غربيون، مثل وصفة بلير للكويت التي تعني، لمثل حالتنا، بيع مرافق القطاع العام المنتجة لقلة من الأفراد النافذين وشركاتهم، الذين يشغلون حيزاً كبيراً في بناء “الدولة العميقة”. كان هذا من الناحية الاقتصادية، ومن الناحية السياسية عملت السلطات على خلق أوهام عداوات خارجية أو مؤامرات داخلية تقوم بدور الفزاعة؛ تشغل الناس وتلهيهم عن حقيقة الواقع السياسي التعيس.

أيضاً من جهة أخرى، تجد السلطة صعوبة تقبل طرح تغيير واقع رداءة خدمة وتكلفة المرفق العام مع آلاف من جيوش الموظفين، وما تقذف به جامعات المراسلة أو كليات بيع الشهادات الجامعية لسوق العمل، فلا يمثل هؤلاء قوى اقتصادية منتجة يمكن الرهان عليها، وهم آخرَ الأمر نتاجُ سوء الإدارات التعليمية للدولة منذ زمن بعيد، أو هم في أحسن الأحوال نتاجُ سوء التخطيط في ربط مخرجات التعليم مع سوق العمل.

ماذا يمكن للحكومة أن تفعل، وقد أصبحت مثل “بلاع الموس” تريد أن تقلص من امتيازات الأمس كما تمثلها سياسة الجيب المفتوح، وفي الوقت ذاته تبغي أن تتجنب ردود الفعل الشعبية المحتملة الغاضبة إذا قلصت الدعم المادي ورشدت الإنفاق، الذي يكون، عادة، على حساب الطبقة الضعيفة مالياً؟ تريد الحكومة الأمرين معاً، أي أن تأكل الكعكة وتحتفظ بها في الوقت ذاته، وهذا غير ممكن.

هل هناك أي حلول لمستقبل مظلم لدولة الريع التي وجدت حبل نجاتها من أزمتها الراهنة في وهم الاقتراض والمزيد من الاقتراض من الداخل والخارج لتسدد بنود الرواتب والكوادر ومشروعات مناقصات تثري القلة من رعاة الدولة العميقة، دون التفكير كيف يمكن سداد تلك المديونيات الرهيبة في المستقبل؟!

لا توجد حلول بغير “التضحية السياسية” من السلطة بالمشاركة السياسية الجادة، وليس الصورية، كأن تبادر الحكومة بالموافقة مع المجلسين على مشروع العفو العام عن الملاحقين سياسياً وسجناء الرأي، وتعديل قوانين تحدد مفهوم السيادة في مسألة سحب الجنسية، وتفتح أبواب النقد الحقيقي لسياسات السلطة بتعديل قوانين الجزاء والمطبوعات والنشر، عل وعسى أن تتبدد غيوم قمع حريات الضمير، عندها يمكن لوزير المالية بالشفافية السياسية أن يطرح كل تصوراته للحلول الاقتصادية الممكنة وما تتطلبه من تضحيات متصورة من المواطنين، أما غلق أبواب السلطة على نفسها وعدم فتحها لغير مهرجي السياسة ومنظري ثقافة “نحن فقط أهل الديرة وغيرنا الدخلاء” المتغطرسة؛ فهذا لن يقدم غير خراب الغد.