آراؤهم

“عواصف” ترامب… في أميركا وخارجها

منذ أن ترشح للرئاسة، طرح دونالد ترامب مبادئ وتوجهات فريدة من نوعها، كانت موضع نقاش وردود الفعل في القارات الخمس حول احتمالات تنفيذها، وحول تداعياتها المرتقبة على الداخل الأميركي من جهة، والعلاقة مع الحلفاء في أوروبا وحلف شمال الأطلسي من جهة ثانية، والعالم العربي والإسلامي من جهة ثالثة، والأزمات والصراعات المشتعلة مع الإرهاب وغيره من جهة رابعة.

وبعد استلامه السلطة وانتقاله من “برج ترامب” إلى البيت الأبيض بدأ ترامب ينفذ بعض طروحاته ومشاريعه الموعودة، فنجح ولو جزئيا في بعضها وفشل في بعضها الآخر، كان آخرها الفشل الذريع في التغيير أو التعديل الجوهري لبرنامج الضمان الصحي “أوباما كير”، إذ أحبط الكونغرس مخطط الرئيس الجديد الذي لم يترك مناسبة إلا وهاجم فيها أوباما ومشروعه للرعاية الصحية.

أما في الموقف من المهاجرين، ومن الأميركيين ذوي البشرة غير البيضاء، ومن مكسيكيي الأصل، فقد حقق ترامب نجاحا – ولو متفاوتا- في تنفيذ قراراته الفريدة من نوعها.

لقد نجح في إثارة المخاوف المتبادلة مع المكسيك بشكل خاص، وقد يقوم ببناء نوع من الجدار العنصري بين البلدين (ولو بصورة غير مباشرة، أي عبر القوانين الرادعة لدخول الولايات المتحدة أو للبقاء بداخلها). ونجح في فرض تدابير على رعايا عدة دول عربية وإسلامية، كان آخرها منع المسافرين منها إلى الولايات المتحدة من حمل أجهزة إلكترونية. والقرار اتخذته بريطانيا أيضا، بعد قرار ترامب بأربع وعشرين ساعة.

أما موضوع العلاقة مع الحلفاء ولاسيما في أوروبا وحلف شمال الأطلسي فقد بقي قيد التداول، مع ردود فعل متفاوتة، ويبدو أن الهاجس المالي هو الذي يسيطر على تصرفات ترامب بهذا المجال، إذ يطالب الدول الأعضاء في “الناتو” بتسديد ما هو أكبر بكثير من نفقات الحلف. وقد لا يكون من قبيل الصدفة امتناع ترامب عن مصافحة ضيفته غير العادية أنجيلا ميركل، زعيمة البلد الحليف غير العادي والذي يتحمل عبئا كبيرا في القضايا الأوروبية والاستراتيجية.

وأغرب مواقف ترامب في المجال الأوروبي، هو قيامه بمطالبة مزيد من الدول الأوروبية بأن تحذو حذو بريطانيا وتنسحب من الاتحاد الأوروبي! هذه النصائح الأميركية الصارخة قد يكون لها تأثيرها في تعزيز قدرات أحزاب اليمين المتشدد والمتعصب، في دول أوروبية عديدة أبرزها فرنسا، للوصول إلى الرئاسة في ظل هذه الأجواء المشحونة من العنف المتنقل، فضلا عن أزمة المهاجرين.

أما وعود الرئيس ترامب بتحسين العلاقات مع روسيا، وبالتفاهم معها في ملفات شرق أوسطية عديدة، فقد تبدلت بشكل كلي إذا صح التعبير. فلجوء النظام السوري إلى قصف منطقة بأسلحة كيماوية جعلت الرئيس ترامب يرد بغارة جوية على قاعدة الشعيرات السورية التي انطلق منها الهجوم الكيماوي على منطقة خان شيخون في أدلب.

هذا التحرك الأميركي السريع أعاد خلط الأوراق سواء بالنسبة إلى العلاقة مع روسيا، التي ردت بإعلان انتهاء عدم التصادم الجوي مع الأميركيين، أم بالنسبة إلى مجمل الأزمة السورية: فبعد أن أعلنت الإدارة الأميركية أنها لا تصر على إزاحة الرئيس بشار الأسد، إذا بالهجوم الصاروخي الأميركي يؤكد حرص ترامب على تغيير موقفه، لم يعد هناك مجال لقبول مجمل سياسات الأسد وتحركاته، العسكرية وحتى الدبلوماسية.

بعض المحللين اعتبروا أن واشنطن لن تكرر تجربة الهجوم على الشعيرات وأن الغارات الأميركية الجديدة سوف تستهدف مواقع تنظيم داعش فقط. أما آخرون فقد توقعوا عدم تراجع ترامب عن استهداف “كيماوي الأسد” مهما بلغت التضحيات، إلا إذا كان هناك تبدل في مجمل الجهود المتعلقة بالحل السياسي في سوريا.

وكان لافتا اتهام الإدارة الأميركية هذه المرة بشكل واضح لكل من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني بأنهم يشكلون خطرا على الأمن والاستقرار في المنطقة.

أما الموقف من التطورات المتسارعة في العراق فسوف يكون موضع بحث وتدقيق بين إدارة ترامب وبين القوى المتنازعة للسيطرة في العراق ولاسيما حكومة بغداد المركزية وإقليم كردستان.

هذا في حين حاول الرئيس ترامب ضبط العلاقات – إن لم يكن التحسين الكلي للخلافات- مع العملاق الصيني، وأدت القمة الأميركية الصينية إلى تعهد بكين باستيراد مزيد من المنتجات الأميركية وهناك بداية للتنسيق بشأن كوريا الشمالية ومخاطرها على المنطقة.

بقلم / فوزية أبل