آراؤهم

هل أصبح التعليم في الكويت مجرد شهادة؟

‏يكتسب التعليم في الكويت مكانة خاصة بسبب عراقته وقدم ظهوره واتساع تأثيره وانتشار النفع منه، إنه هو التعليم الذي قاد حركة التنوير فى المنطقة وأضاء المصابيح في ظل الظلام الدامس عندما كانت جامعة الكويت م نارة للعلم والمعرفة في الستينيات و السبعينيات، وكانت أروقته تستقبل الطلاب و«المجاورين» من أنحاء الوطن العربي والخليج، كما أن المدارس قد أسهمت هي الأخرى فى نشر التعليم المدني فى أنحاء البلاد واستقبلت الطلاب دون تفرقة بين المواطن و المقيم، حتى ارتبط ظهور الكويت بالنهضة العلمية والريادة التعليمية، لذلك فإنه من المؤسف حقاً أن يتردى مستوى التعليم وتصبح بعض شهاداتنا المعتمدة لا تلقى الاحترام الذي تعودته ولا المكانة التي ارتبطت بها.

‏لهذا فإنني عندما أكتب اليوم عن محنة التعليم فإنني أضع يدي على الجرح الحقيقي لهذا الوطن الذي اشتهر بتقبل الحضارات واحتضان الثقافات، وها هو اليوم يعاني بسبب تدهور التعليم على نحو ينعكس على باقي قطاعات الدولة ومؤسساتها المختلفة ومرافقها المتعددة، وهو أمر يدعونا أن نضع يدنا على مكمن الخلل.

‏إن الصراع المعتاد بين نظريتي «الكم» و«الكيف» قد ترك بصماته بشدة على نظام التعليم في الكويت، إذ إن الزيادة الهائلة فى أعداد القادمين إلى المدارس و الجامعات في الكويت كل عام قد دفعت بـ«نظرية الكم» إلى المقدمة، بحيث تضم سنوياً الآلاف من القادمين الجدد إلى فصول الدراسة، وتوارت تبعاً لذلك «نظرية الكيف»، فأصبح عدد المدارس وعدد الفصول وعدد المعلمين هو المؤشر الشائع للتعبير عن نجاح السياسة التعليمية، مع أن الأمر يختلف عن ذلك تماماً، فلقد كانت زيادة الكم خصماً طبيعياً من نوعية الكيف، فتدهورت العملية التعليمية ولم تعد تملك لوازم استمرارها! فالمدارس بلا ملاعب ودون فرق فنية غالباً مع ضعف فى الوظيفة الاتصالية مع المجتمع وهيئاته المدنية.

‏إن السلسلة الذهبية لجيل الرواد في الفن و الأدب و الرياضة، هى تعبير عن التواصل بين الأجيال ارتباطاً بقضية واحدة وهى قضية النهضة التى تنبثق عن النظام التعليمي الرشيد والفكر التنويري النهضوي الذي ارتبط دائماً بحركة صعود الدولة، والمضي قدماً على طريق الاستنارة والحداثة والتقدم، فالتعليم هو المفتاح لكل الأبواب، والتحكم الإيجابي فى العملية التعليمية يؤدي بالضرورة إلى بلوغ الغايات التى تنشدها الدولة بدءاً من البحث العلمي، وصولاً إلى التشغيل، مروراً بالثقافة والتألق الفكري والوهج المشع الذي ينطلق من المواهب والإمكانات الخفية لدى الأجيال الجديدة.

‏لقد قال أصحاب التجارب النهضوية الكبرى إنك إذا أردت أن ترتقي بشعب معين فإن عليك أن تقتحم ميدان التعليم برؤية بعيدة ووعي عصري يدرك ما يدور فى عالمنا الذي يقذف بالمستجدات كل يوم، حتى إن بعض الاختراعات الجديدة لا تجد فرصتها في التطبيق، لأن اختراعات أخرى تسبقها وتتقدم عليها بفعل الإيقاع السريع لحركة الكشوف العلمية والاختراعات التكنولوجية، وإذا كانت التكنولوجيا هي توظيف العلم فى خدمة الصناعة فإن التعليم يظل رافداً أساسياً فى توجيه المجتمعات إلى الأفضل، ولم نشهد تجربة وطنية ناجحة إلا بالاعتماد على التعليم الذي هو قاطرة التقدم وعصب التنمية، ولو طبقنا ذلك على الحالة الكويتية لاكتشفنا مرة أخرى أن تدهور النظام التعليمي هو المسؤول عن كثير مما أصابنا من إحباطات وأزمات ومشكلات بل ونكسات أيضاً!

‏لقد تحول التعليم في الكويت إلى مظهر عام يفتقر إلى الجوهر، وأضحت العملية التعليمية شكلاً بلا مضمون، التركيز فيه ينصب فقط على الظفر بشهادة، وهي وثيقة شكلية لا تعبر عن الواقع، ولكنها تستهدف الغرض الاجتماعى منها، وصار المهم فقط هو تزيين السيرة الذاتية بالشهادات العلمية وألقابها المختلفة وكأنها لافتات نرفعها بغض النظر عن قيمة العلم والمعرفة وسلامة التعليم وجودة الأداء.

‏إن نظرة شاملة لمشهد التعليم الحالي لابد أن تشعرنا بالقلق الشديد، لا على التعليم وحده ولكن أيضاً على درجة الانصهار الاجتماعي والانسجام بين فئات الشعب، فالتعليم والإقتصاد هما المصدران الرئيسان لوحدة الأمة، فالتعليم عندنا حدث ولا حرج!!

‏التعليم .. إنه سبيل الخلاص وطوق النجاة وصانع الرؤية إلى المستقبل الذي نريده لأجيال قادمة ربما لايزال بعضها فى ضمير الغيب!.