أقلامهم

“الداخلية”.. واستضعاف الوافد المظلوم!

مقطع فيديو قصير تم تداوله عبر وسائل الإعلام الإلكتروني يظهر فيه شخص يرتدي الزي الوطني وأحد منتسبي الإدارة العامة للمرور في حال من تبادل اللكمات، وأثبتت التحقيقات أن المبادر بالاعتداء مواطن «استأسد» على رجل الأمن الذي كان يدافع عن نفسه.

وحتى من دون التحقيق في الواقعة سيتوصل كل من شاهد فيديو هجوم المواطن واندفاعه في إيذاء رجل المرور إلى أن المواطن هو المخطئ، وكي لا نتيه في حلقة التبريرات غير المنطقية جاء التحقيق ليضع النقاط على الحروف تجلية للحقيقة وحفظا للحقوق.

وتتلخص الواقعة في أنه لدى قيام عسكري المرور بفض مشاجرة بين المواطن المعتدي ووافد آسيوي اختلف معه مرورياً عند أحد التقاطعات في محافظة الأحمدي، تم الاعتداء عليه بالضرب ما تسبب في إصابته برضوض وكدمات في وجهه.

‏ونشرت «الراي» الإلكترونية أول من أمس مقطعاً لفيديو يقوم فيه الوكيل المساعد للمرور اللواء فهد الشويع بتكريم شرطي المرور «المُنتصر» للوافد سائق الأجرة الجوالة في المهبولة و«المجني عليه» من المواطن الذي لم يحفظ لرجل الأمن ولا لزيه العسكري الهيبة الواجبة والاحترام اللازم.

وفي السياق ذاته تم حجز المواطن المعتدي على رجل الأمن بأمر النيابة العامة 21 يوماً وإحالته إلى السجن المركزي.

علينا أن نقف وقفة تأملية طويلة أمام المشهد القصير في أحداثه ومدته.

أولا: طغيان المواطن عندما يستبد ويتجاوز الحد في التعدي على من يظن أن لا سند له، لاسيما إن كان وافداً، فكيف إذا كان غير عربي لا يستطيع أن يفصح عن مظلمته، بل كيف إذا كانت امرأة مستضعفة!!

ثانيا: الدور الواجب على كل إنسان يعيش في مجتمع سواء كان مواطناً أو وافداً مقيماً أو زائراً، ويزيد الواجب أكثر على رجل الأمن الذي يفترض به القيام بواجبه وتقديمه الحق والعدل على كل الاعتبارات، النسب، والمواطنة، والتيار، والمصلحة، بل الدين ذاته. وعلماؤنا كانوا وما زالوا يقولون إن الانتصار للمشرك المظلوم والكافر المهدور حقه ضد الموحد المؤمن إن كان ظالماً معتدياً من واجبات الدين وضروراته.

ولن تتحقق هذه النتيجة إلا حين نتحرر من كل أمراض التحيزات والعصبيات، وتتجلى إنسانيتنا ونريح ضمائرنا ونحقق لله عبوديتنا لتكون النتيجة أمناً واستقراراً اجتماعياً ينعم فيه المجتمع ويأمن فيه الإنسان على نفسه وعرضه وأهله وماله.

وهنا تأتي أهمية اختيار رجال الأمن وضرورة تنميتهم بالدورات اللازمة فهم – بإذن الله- ضمان الاستقرار المجتمعي.

ثالثا: تأتي أهمية «لقطة التصوير» في تثبيت الاعتداء من خلال توثيقه، فكم نستطيع بأجهزتنا الإلكترونية التي صارت في كف كل إنسان أن نسيء أو نحسن لأنفسنا وللناس، وها أنتم ترون شكوى الجميع من سوء تعامل الكثيرين مع هذه الأجهزة حتى وصل الحال ببعضنا إلى التسلية بتصوير فضائح الناس والضحك على ما ابتُلي به البعض والترويج لما أمر الله به أن يُستر والشماتة بذوي البلاءات!!

لكن الذي وثق واقعة الاعتداء ولا يعرفه منا أحد، يستحق الشكر لأنه قدم خدمة كبيرة في تثبيت الحق، ولتنبيه بعض «المتعنترين» من عاقبة التمادي في الغلط العام لأن الكاميرات ترصده وأن عاقبة الظلم عقوبة!

رابعا: إن احتفاء وزارة الداخلية برجل المرور على قيامه بواجبه وموقفه الإنساني الشجاع أمر لافت ومهم ومستحق، فنحن مجتمعات اعتادت على نقد الأخطاء والطيران بها في الآفاق ونشرها وتعظيمها، بينما نغرق في وحل السلبية من خلال امتناعنا عن تعزيز الخير وتشجيع الناجحين وتسليط الضوء على التجارب والإنجازات الطيبة في مجتمعاتنا.

فشكراً كبيرة لوكيل وزارة الداخلية المساعد لشؤون المرور اللواء فهد الشويع على بادرته الإيجابية تجاه أحد منتسبي قطاعه، وشكراً أكبر منها لرجل الأمن الذي انتصر لسائق الأجرة الوافد المستضعف ولم يرضخ للمفهوم الجاهلي في الوقوف إلى صف ابن بلده وإن كان ظالماً، والشكر مستحق لمن حقق مفهوم العبودية والشهادة بالحق عبر تصوير الواقعة انطلاقا من إنسانية حقة وتحفيزاً من ضمير حي كي يكون المعتدي عبرة لغيره، ومنعا لتدخل وساطات ظالمة تميل بميزان العدل والحق.