آراؤهم

ملحد متدين

مفهوم العلمانية يشكل صورة مرعبة في مجتمعاتنا العربية وعند البعض من المثقفين العرب ، فعندما نقول نريد دولة علمانية فكأننا نقول نريد دولة إلحادية ! وهذا الشيء مناقض لمفهوم العلمانية .

فمثال على الدولة الإلحادية هي تلك التي أسستها الشيوعية وفرضتها على جمهوريات الاتحاد السوفياتي لمدة سبعين عام، و تمتاز أوروبا على كل النطاقات الحضارية الأخرى هي أنها تسمح بالتدين وعدم التدين . بمعنى آخر فإنه يسمح بالحرية الدينية و حرية الفرد بإتخاذ أي دين يريده ، و أن تقف الدولة موقف الحياد من كل الأديان والمذاهب الموجودة في المجتمع.

قلت تقف على الحياد ولم أقل تعادي الأديان. هنا يكمن الفرق الأساسي ليس فقط بين الدولة العلمانية والدولة الإلحادية وإنما أيضا بين الدولة العلمانية والدولة الطائفية والكراهية ، معناه أن الدولة تعامل جميع السكان على قدم المساواة أيا يكن دينهم أو مذهبهم. إنها لا تنظر إليهم من خلال أديانهم ومذاهبهم وأماكن ولادتهم ، وهذا هو معنى العلمانية بالضبط و هذا هو جوهرها.

ستجد من بعض مشايخ الدين يشجعون على إنتشار دينهم في الدول الغربية و إنشاء المساجد في الدول الغربية و الدعوى للمجتمعات الغربية للدخول إلى الإسلام ، و يدركون هم أن العلمانية هي التي سمحت بذلك بإنتشار أي دين ، ولكن لا يريدون أن يقوم أي شخص بترويج دينه في دولهم العربية أو أن يتقبلوه بأنه شريك في الوطن لكن بإختلاف دينه ، فيكفرونهم و يتم إنتشار الحقد و الكراهية في المجمتع بسبب إختلاف الدين ، فهؤلاء يطالبون العلمانية حين تكمن مصلحتهم و يحاربونها حين تجد في دولتهم و مجتمعاتهم .

فالدولة الدينية تجعل الشخص مقيد و محكور في تصرفاته و حريته ، فكل هذه الاختراعات و التقدم العلمي أتت من نتاج الدولة العلمانية ، لأنهم لم يشغلوا الشعب بأمور دينية و إختلافاتهم المذهبية و الطائفية ، النظام العلمانية فتح أبواب العلم و التقدم للجميع و شغلوا المجمتع بأمور علمية تصب لمصلحة الإنسان في التقدم و العلم .

أصبح العرب حين يسمعون كلمة العلمانية أو التوجه اللبرالي يكفرون الشخص و يتهمونه بالإلحاد أو الكفر ، فأي شخص يريد أن ينشر هذا النظام أو هذه الايدولوجية قد يكون شخص متدين أو معتدل أو أي كان ، و تصبح الصدمة عندما يرون هذا الشخص المطالب بهذا النظام يُصلي أو يذهب ليحج فيطلقون عليه بأنه ملحد و عاد إلى ملة الله.

أخلصك ؟ العلمانية تحمي دينك من تسيسه أو التجارة فيه ، فهذا النظام هو المنطلق الصحيح لإزالة الفتن و التعصب الفكري و تقديس الشكليات ، فإنكار العلمانية هي جهل في الحضارة الحديثة ، و اطلاق صفة الكفر عليها جهل أيضاً بحق العلمانية ، و الدعوة للدولة الدينية جهل بحقوق الإنسان ، هذا النظام لا يلغي الأديان أو الطوائف بل تلغي ” مخك ” و ” وتفكيرك الطائفي ” و المتطرف ، فعندما ‏تشرب فنجان قهوه مع صديقك المسيحي و تذهبان معا لزيارة جاركم اليهودي
‏ان ترئ بوذيا يمازح مسلما و ‏شيعيا يصلح مأذنة جامع سني ‏سيغضب الله لو فعلنا ذلك ؟ فالعلمانية هي حياد و ليست إلحاد .

*أحـــرُف*
*محمد جابر غضنفر*
*twitter: MohGhadanfar*