كتاب سبر

أطفال .. وكان “الشارع” مجلسنا

سقى الله أيام الطفولة ، سقى الله أيام الهرطقة والترهات التي لا نحاسب عليها.. كانت أفكارنا كلها من نسج الخيال وبعيدة الواقع وعن الرقابة والمحاسبة، ليس بمقدور كائن من كان أن يكبحها ، وكنّا نتشدق بها أمام الأطفال الآخرين دون الخوف من ردّة الفعل أو القهقهة على “خرابيط” أفكارنا ، لأن من هم أمامنا ويسمعون أفكارنا “الخربوطية” إما أن أفكارهم مشابهة لأفكارنا أو هم أدنى منا فكريًا ولا يتقنون فن “الخرابيط” مثلنا !.

في طفولتنا ، كنّا نجتمع على أرصفة الشارع وعصير “السانكيست” في يد و”البفك” في اليد الأخرى ، وكنّا نطلق لمخيلتنا العنان بسرد “الخرابيط” الواحدة تلو الأخرى .. فيقوم أحدنا ليذكر “خربوطة” تحت مسمى فكرة أو مقترح وعيوننا جاحظة من الدهشة ( كيف لمثل هذا أن يحمل عقلا راجحا ! ) ، وأذكر هنا فكرة جهنمية لأحد الأصدقاء عن “تكويت الكويت” من خلال عمل فحص مخبري أجباري كل 6 أشهر على كل من يحمل الجنسية الكويتية حتى نتأكد من أنه ( كويتي أصيل ولد بطنها حافظ أسماء كل حرّاس الدروازة والأهم أن يكون من عشاق المهياوة ولا يعترف أن هناك حرف اسمه “الجيم” في قاموس اللغة العربية ) … وأذكر هنا أننا قفزنا فرحا لعبقرية وذكاء صاحبنا مما دعانا إلى تشجيعه للترشح نائباً عن شارعنا أمام الشوارع الأخرى التي يتكاثر فيها العباقرة من على شاكلة صاحبنا هذا ..!

ذكريات جميلة، وأتمنى من القراء الكرام عدم السخرية والتهكم على أفكارنا ومقترحاتنا ، فقد كنّا أطفالا آنذاك لانعي ما نقول ، ولم يكن للكبار الراشدين تواجد في اجتماعاتنا الشوارعية حتى ينتقدون الحماقات التي تغمر أفكارنا ونتفوه بها ليل نهار.. فلا ملامة علينا وقتها ، فالشارع كان مجلسنا وبقية الأطفال كانوا هم القيّمون على أفكارنا..!