كتاب سبر

تركيا ما قبل وبعداردوغان!

منذ أكثر من عشرين عامًا زرتُ تركيا وكانت حينها تعيش أوضاعًا سيئة للغاية على جميع المستويات ومختلف الصعد، كانت العاصمة التجارية اسطنبول تفتقد تمامًا للبنية التحتية: طرق متهالكة، ونظافة شبه معدومة، ومرافق منتهية الصلاحية، وصناعةًرديئة، وشعب يغلب عليه التشنج والصريخ والذي يعكس الأوضاع العامة التي كانت تعيشها تركيا آنذاك، ولهذا كان زائر تركيا يكتفي ببضعة أيام ثم مايلبث أن يغادر، وربما يكون حينها قد قرر عدم العودة مرة أخرى بعد تلك التجربة المريرة، ولكن المشهد اختلف تمامًا بعد أن أصبح أردوغان أمين بلدية إسطنبول في بداية توهجه السياسي و كانت تلك المحطة بداية الانطلاقة نحو تركيا الحديثة.

زرتُ إسطنبول بعد غياب مايزيد على خمسةٍ وعشرين عامًا، المشهد اختلف تمامًا بل أصابني الذهول عندما وصلتُ لمطار إسطنبول وكأنني في أحد مطارات ألمانيا أو سويسرا، بعد ذلك أدهشني وأثارني وأنا أسبر إسطنبول من مدخلها الرئيسي القادم من مطارها، حيث كل شيء قد اختلف: البشر والشجر والحجر، أصبحتْ إسطنبول تضاهي عواصم عالمية مثل باريس ولندن ونيويورك! بل أصبحت أجمل وأنظف مِن تلك المدن قاطبة، يُضاف لذلك الأمن والأمان وشعور الزائر بأنه في وطنه حيث يحظى بالرعاية من الجميع، ومن محاسن الصدف أن أن يتزامن أول يوم من وجودي وفي نفس الفندق مع فعالية اقتصادية يحضرها الرئيس التركي أردوغان وقد شاهدتُه وهو يخرج من الفندق ويصافح الجميع بكل بساطة وتواضع ومحبة صادقة يشعر بها الجميع، ولعل هذه أهم مفردات وأدوات أردوغان التي جعلت الشعب التركي يهتف باسمه دائمًا فضلاً عن كونه المؤسس لتركيا الحديثة التي تعيش عصرها الذهبي داخليًّا وخارجيًّا! بل لقد أصبحتْ من أقوى اقتصادات العالم وهذا هو الذي أيقظ أحقاد أوروبا بعدما شعرتْ بخطورة تركيا اقتصاديًّا وسياسيًّا.

يبقى أن أقول أيها السادة: مايرعب أوروبا من المارد التركي القادم عام ٢٠٢٣ والذي سيبدأ مع مشروع قناة إسطنبول الذي أطلق عليه الرئيس التركي أردوغان المشروع المجنون والذي سينقل تركيا نقلة نوعية والذي سيُكسب إسطنبول مكانةً عالمية مرموقة في المجال المائي وكما هو الحال في المجال الهوائي والمتمثل في مطار إسطنبول العالمي، فضلاً عن أن هذا المشروع سيُغيّر معالم التاريخ وكما هو الحال في قناتي السويس وبنما، هذا هو التحدي والإعجاز الذي حوَّله أردوغان لحقائق على الأرض شأنها شأن الحقائق الأخرى التي تحولت من أحلام لواقع ملموس ومحسوس جعلت تركيا تتجاوز دِوَلاً عالمية سبقتها في التجربة والخبرة.