أقلامهم

قد بَدَتْ البغضاءُ من أفواههم

عندما يقع الإنسان في شدة وبلاء، أو يتكالب عليه الخصوم والأعداء، أو تقف في وجهه العقبات، أو يُصاب بمرض عضال، ينحرف قلبه – أحيانا – نحو التعلق ببعض المخلوقين يلتمس عندهم الدواء والشفاء، أو تفريج الكرب والبلاء.

فتأتيه الرسائل الربانية التي تصحح له المسار، وتجعله يعود إلى جادة الطريق الصواب، فلا يلجأ إلا إلى الله ولا يستعين إلا بالله.

عندما دخل يوسف عليه السلام السجن، وكان معه رجلان، ورأى كل منهما رؤيا فسرها يوسف عليه السلام، وكان في إحداها مقتل أحد الرجلين وفي الثانية نجاة الآخر.

طلب يوسف عليه السلام ممن ظن أنه ناجٍ أن يذكره عند سيده، لعله يخلصه من السجن، فقال «اذكرني عند ربّك» أي سيدك، فأنساه الله تعالى ذكر ربه، فلبث في السجن بضع سنين.

قال بعض المفسرين إن الله تعالى جعل السجين ينسى ذكر يوسف عند سيده، كعقوبة ليوسف عليه السلام، حتى لا يتعلق قلبه إلا بالله.

من يقرأ سيرة الرسل والأنبياء عليهم السلام، يتعلم دروسا في حقيقة تعلق القلوب بالله تعالى خصوصا عند الشدائد والمحن.

فموسى عليه السلام عندما اقترب فرعون وجنوده منه مع أتباعه عند البحر قال أصحابه: إنا لمُدْرَكون، فقال: «كلا إن معي ربي سيهدين».

وإبراهيم عليه السلام لمّا أُلقِي في النار قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فجعل الله تعالى النار عليه برداً وسلاما.

ويونس عليه السلام نادى في بطن الحوت «أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» فأنجاه الله تعالى.

وفي حادثة الهجرة يقول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لصاحبه أبي بكر الصديق وهما في الغار، وقد أحاط بهم المشركون «لا تحزن إن الله معنا».

وهذه هاجر، زوجة إبراهيم عليه السلام يتركها زوجها مع ولدها الصغير إسماعيل في صحراء قاحلة، فتقول له: آلله أمرك بهذا؟ فيقول: نعم، فتقول: إذا لن يضيعنا الله.

ومن هنا وجب على كل إنسان ألا يتعلق قلبه إلا بالله، لأنه القادر على تفريج الكرب ودفع الضر، وهو الذي يقول للشيء: كُنْ، فيكون.

تعلقت قلوب بعض الشعوب العربية أو التيارات الدينية والسياسية ببعض الدول أو الشخصيات، واعتقدت أنها ستكون المُخلّصة لمحنتها، أو المنصفة لموقفها.

لكن شاءت إرادة الله تعالى أن تُخيّب تلك الدول والشخصيات الظنون، فيدرك بعض المتوهمين أنهم إنما كانوا يركضون وراء السراب «قد بدت البغضاء من أفواههم وما تُخفي صدورهم أكبر» آل عمران 118.

رسالة إلى أهل فلسطين والشام والعراق وكشمير وآراكان، وإلى كل مسجون بغير حق، وإلى المضطهدين في مشارق الأرض ومغاربها، لا تُعلّقوا قلوبكم إلا بالله.

«ومن يتّق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب * ومن يتوكل على الله فهو حسبه».