أقلامهم

قصة “داعش”.. وحقيقتها

‏نعيش اليوم زمن حيرة الحليم، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: يأتي زمان يصبح الحليم فيه حيران!
بالأمس اعتذرت لـ القبس عن كتابة مقالة الأربعاء الماضي، لأنني شعرت إن كتبت عن أزمة الأشقاء فستلحقني ملامة من أحد الطرفين، حتى وإن كتبت محايداً، فالبعض اليوم يتبنى مقولة جورج بوش «إن لم تكن معي فأنت ضدي»، لذلك قررت عدم الكتابة لأُريح وأستريح! واستمررت بالدعاء في صلاة القيام بأن يكشف الله هذه الغمة ويحفظ خليجنا من التفكك والانهيار، خصوصاً أنني أدركت أن هذه مشاعر عموم الشعوب الخليجية في كل أقطار هذا الخليج.
اليوم سأكتب عن موضوع له علاقة بكل المواضيع، وهو حقيقة «داعش». نعم، هذا الاختراع الذي تم بتقديري ابتكاره في إسرائيل بمباركة أميركا وإيران وربما دول أخرى، وهذا كلام قد يعتبره البعض «كور مخلبص»، لكنني أعتقد أنه الحقيقة، التي تفسر كل ما يحدث اليوم على الساحة.
قرر «الموساد» ابتكار طريقة جديدة لمحاربة الإسلام السني المعتدل، لأن الاسلام الشيعي في نظرهم – وإن كان أشد خطراً عليهم – لكن وسائل مقاومته متوافرة، فالإسلام الذي تطرحه الثورة الشيعية أكثر راديكالية من تلك الأفكار التي يطرحها التيار الوسطي، الذي بدأ ينتشر في أوروبا وأميركا، وبدأ يحوز قبول الشعوب المقهورة من ظلم الأنظمة القمعية، فقررت اختراع مفهوم جديد يعرض الإسلام بشكل مشوه، يؤدي إلى نفور المجتمعات الأوروبية وغيرها من الإسلام كدين، بغض النظر عن طبيعة الفعل وحقيقة الفاعل، ويؤدي بالنهاية إلى شيطنة التيارات الإسلامية المعتدلة، بحجة محاربة العالم أجمع للإرهاب، الذي تتبناه هذه الجماعات المتطرفة.
أوجدوا قادة هذا التنظيم الجديد، ودربوهم في مقراتهم الاستخباراتية، وشكلوهم باللحى الطويلة، والثياب التاريخية التقليدية، وعلموهم الخطب الجهادية العاطفية، ورفعوا لهم راية التوحيد والجهاد، ووفروا لهم العتاد والسلاح، وسهلوا لهم الانتصارات المتوالية، لتكوين أول نواة للدولة الإسلامية التي تطبق أحكام الشريعة، التي لم تعرف من الشريعة إلا تطبيق الحدود، وإعادة ظاهرة الرق والسبايا التي عالجها الإسلام، إلى أن قضى عليها، أما الرجال فقد كان كافياً لهم رفع هذه الراية لاستدراج الآلاف من الشباب المتعطش لرؤية راية التوحيد خفاقة، فجاءهم المتحمسون من كل فج عميق، صادقين برؤية دولة الإسلام على أرض الواقع، ولم يدركوا أن هذا فخ يديره الموساد وينفذه الآخرون! علموهم أن تبدأ بالأقرب، فشاهدنا الولد يقتل والديه، واستعملوا الإعلام المرئي، مستخدمين التكنولوجيا العالية، التي لا تملكها إلا الدول المتقدمة، في تصوير جرائم القتل حرقاً والإعدام نحراً، لمزيد من تشويه الراية التي يمارسون هذه الجرائم في ظلها! في الموصل استغربنا من الجيش العراقي يترك أسلحته ومعداته الثقيلة لـ «داعش» ويهرب من دون قتال، وكانت هذه البداية! وشاهدنا كيف تسير قافلة لـ «داعش»، بعد تشكيل التحالف لقتالها، من الرقة إلى تدمر بمعداتها وسياراتها ذات الدفع الرباعي مسافة 400 كلم لتدمير الآثار التراثية من دون أن تتعرض لطلقة واحدة من قبل طائرات التحالف، التي تغطي سماء المنطقة، وشاهدنا كيف تفجر في مسجد الصادق، ثم تتبعه بتفجير في مسجد نجران لإثارة الفتنة الطائفية، ولكي يجتمع السنة والشيعة على محاربة الإسلام الذي تتبناه هذه الطائفة المارقة!
ذكرت هذا الرأي في عدة مقالات بعد هذه الشواهد، ولم أحتج إلى عناء كثير، فقد توالت التصريحات التي تؤكد ما ذهبت إليه من عدة مسؤولين أميركيين وغربيين، لم يكونوا ضمن اللعبة الكبيرة، وكانت النتيجة محاربة دولية ليس لـ «داعش» فقط، بل لكل ما يمت بصلة إلى الإسلام الوسطي والتيارات المعتدلة التي تحارب فكر «داعش»، لكنها اللعبة القذرة التي تريد أن تضرب الوسطية عن طريق ضرب التطرف!
(وللحديث بقية…).