أقلامهم

معضلة التعليم والسياسة

اختلف العلماء كثيراً في العقود الماضية حول حقيقة من أتى أولاً؛ الدجاجة أم البيضة؟ حتى سميت «معضلة الدجاجة أو البيضة». وعندنا في الكويت معضلة مشابهة اختلف فيها المهتمون بالشأن السياسي، هل يبدأ الإصلاح بالمنظومة السياسية أم التعليمية؟

شخصياً أرى أن كل القطاعات في البلد تتأثر بتأثر المنظومة السياسية ومدى جدية السلطتين التشريعية والتنفيذية في الإصلاح، ولكن هذا لا يعني اعتبار التعليم والثقافة العامة أمرين ثانويين ليسا ذوي أهمية، فارتفاع مستوى التعليم والثقافة العامة يمشي في خط متوازٍ مع التطور السياسي والاقتصادي لأي بلد، لذلك ورغم أهمية رفع نسبة الوعي السياسي عند المجتمع والذي هو مهمة القوى السياسية الوطنية الأولى، إلا أن إصلاح النظام التعليمي يجب أن يكون من أولويات أي مكون سياسي وطني.

ففي الكويت ما زال النظام التعليمي يعتمد على أسلوب التلقين والحفظ الذي أثبت فشله وتخلفه في عصرنا هذا. فقد تراجعت جودة التعليم الأساسي في الكويت بين العامين 2013 و2016 من 3.4 الى 3.2، فتراجع ترتيب الكويت في هذا المؤشر بين دول العالم من المرتبة 93 الى 103. وهذا التراجع يسري أيضا على مستوى العلوم والرياضيات والتعليم العالي، ومثل هذه المؤشرات تعتبر خطيرة جداً، فأطفال اليوم هم رجال المستقبل وهم مستقبل هذا البلد ومن يفترض أن يدير مؤسساته بعد 20 عاما من الآن، فما هي الحلول لاصلاح التعليم؟

قد يعتقد البعض أن الخصخصة هي الحل السحري لكل مشاكلنا ومنها التعليم، وبالتأكيد فإن هذا اعتقاد خاطئ تماماً، فالخصخصة ليست سوى نقل ملكية قطاع معين من الدولة لشخص أو مجموعة أشخاص همهم الوحيد هو زيادة أرباحهم مهما كلف الأمر!

كما أن خصخصة هذا القطاع تخالف الدستور الكويتي، حيث تؤكد المادة 40 من دستور الكويت على كفالة الدولة لحق التعليم للمواطن ومجانيته في المراحل الأولى. بل حتى في الدول التي تعتمد على الشركات والقطاع الخاص في كل شيء كالولايات المتحدة الأميركية، لم تتجاوز نسبة التعليم الخاص 10 في المئة‏.

الحل برأيي يكمن في تطوير المناهج الدراسية وربط سياسة التعليم والنهج التربوي باحتياجات التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلاد، وتطوير المناهج الدراسية بحيث تعالج متطلبات الحياة المعاصرة وتعوّد النشء على البحث والتفكير العلمي والنقاش، والاهتمام بتوجيه الطلاب نحو الفروع العلمية ونحو التخصصات التي تحتاجها الكويت.

كما من المهم أيضا النظر بجدية لموضوع تطوير القدرات العلمية والمهنية للمعلمين الكويتيين والاهتمام بتحسين ظروف عملهم وتحفيزهم مادياً ومعنوياً، بحيث يتم الاعتماد كلياً على المعلمين الكويتيين في المستقبل. فالمعلم هو الأساس والمصدر الذي سيتلقى منه الطالب معلوماته. وكما يقول الشاعر أحمد شوقي: «قم للمعلم وفه التبجيلا، كاد المعلم أن يكون رسولا».

في الختام، نحن في مجتمع تشكّل الطبقة الوسطى مكوناً رئيسياً فيه، وهي الطبقة التي تهتم بالتعليم والثقافة وتؤمن بأن الشهادة العلمية هي الأساس للتقدم المهني والوظيفي، وهي القاعدة التي يستند عليها الفرد لتحسين مستوى دخله، لذلك فإن الإصلاح التعليمي ليس ترفاً بل هو ضرورة لا تقل أهمية عن الإصلاح السياسي. أما الحلول التي وضعتها في المقال، فهي خطوط عريضة تمثل انطلاقة الإصلاح التعليمي بعيداً عن بيعه للقطاع الخاص وتحميل المواطن مزيدا من الأعباء المالية.

dr.hamad.alansari@gmail.com

twitter: @h_alansari