أقلامهم

خلية العبدلي: التبعات.. النتائج والتوقعات

تعيش الكويت حالة استنفار أمني بحثا عن ستة عشر مطلوبا مدانا بقضية العبدلي الشهيرة التي تسمى أحيانا “خلية حزب الله”، وقد ألقت تبعات لقضية بظلالها على المشهد السياسي الكويتي والخليجي والإقليمي بشكل عام. وهنا محاولة لقراءة الحدث وتبعاته ومحاولة استقراء لنتائجه.
بعد قضية شبكة التجسس الإيرانية قبل أعوام، سحبت الكويت سفيرها بطهران- مجدي الظفيري- ولم يعد منذ ذلك الحين. وعلى الرغم من الزيارات المتبادلة بين المسئولين الكويتيين ونظرائهم الإيرانيين، وأهمها زيارة سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح لطهران بيونيو عام 2014، وزيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني للكويت بفبراير الماضي، وعلى الرغم من تكرار تصريحات الإشادة بين البلدين الجارين من قبل مسئولي الدولتين، إلا أن ذلك لم يوقف طهران عن التجسس على الكويت وتشكيل خلايا تعمل على تخزين ترسانات من الأسلحة التي تنشد إيران من وراءها الشر والضرر بالأمن الوطني الكويتي، هذه الأعمال الإيرانية المشينة جرت والعلاقات في أوجها من القوة فما بالنا وقد تكشفت كل أقنعة السياسة الإيرانية وإضمارها الشر للكويت دون وازع من أخلاق سياسية للجيرة أو رادع قانون دولي بعدم التدخل بالشئون الداخلية للدول الصديقة، ولا شك أن إيران التي كانت هذه أفعالها في الماضي القريب، لن تتردد عن التصعيد العلني بالتدخل بالشأن الكويتي وربما بما هو أسوأ من التجسس وتشكيل الخلايا التابعة لها وحسب، ولن ترعوي أو ترتدع بارتكاب أعمال إرهابية-لا سمح الله- عن طريق وكلائها داخل العراق الذي تتحكم بمفاصل التنظيمات الطائفية المسلحة فيه.
فما هو السبيل للتصدي لما هو قادم؟ وما هي السياسة التي يجب انتهاجها داخليا وخارجيا لردع الشرور الإيرانية التي أصبحت واضحة كالشمس في رابعة النهار؟
داخليا:
قطع الطريق على الطائفيين الذين يتكسبون من كل قضية وينفثون سمومهم المتخلفة عند كل شاردة وواردة، فالطائفيون يتباكون على ظلم ومظلومية طائفتهم حين يكون المجرم من نفس الطائفة، ولكنهم يغضون الطرف عن أية انتهاكات لحقوق الإنسان أو سحب للجناسي إن كان “الضحية” من غير طائفتهم، وعدم فتح المجال لهم بعقد جلسات برلمانية طارئة تتحول إلى تراشق وردح طائفي يلهب مشاعر العامة، ويعمق الاحتقان الطائفي الذي تعيشه البلاد والمنطقة برمتها.
وعلى أجهزة الدولة وتابعيها العمل على تعزيز خطاب التعايش والخطاب المدني الذي يرفض التعميم على الطوائف وتجريم خطاب الكراهية وما يمس الآخر من تلاوين المجتمع، فالطائفيون من السنة يرون بكشف الخلية الإرهابية مناسبة للتعميم على كل الطائفة الشيعية “بالخيانة والإرهاب والتبعية لإيران”، مثلما شحن الطائفيون الشيعة أتباعهم بربط أي عمل إرهابي داعشي بالسنة كطائفة وليس جريمة يعاقب عليها من يرتكبها وحسب.
ضرورة التشديد الرقابي المالي على جمعيات جمع المال باسم الدين سواء كانت صدقات جمعيات “خيرية” أو أخماس لا أحد يعرف كيف وأين ولمن صرفت.
تعزيز سيادة القانون وتعميق الشعور لدى المواطن بأن القانون يحمي الجميع وأن الجميع يقف أمامه سواسية دون تمييز، وسأترك الجوانب العسكرية والأمنية للمختصين لجهلي الكبير بها، مع ضرورة التزام أية اجراءات أمنية أو عسكرية بالدستور والقوانين المنظمة.
قد يرى البعض بما هو أعلاه نوعا من الرومانسية وبعدا عن الواقعية، ولكنها البديل الوحيد لقطع الطريق على خراب البلاد وتسليم زمام الأمور بها للطائفيين من الطائفتين، والذين نشهد نتائج تسلمهم للأمور بالعراق وسوريا ولبنان واليمن.
خارجيا:
العمل على ثلاثة محاور للأمن الوطني الكويتي:
خليجيا:
لا بديل عن العمق الاستراتيجي الخليجي للأمن القومي الكويتي، ولا مناص من تعزيز التضامن الخليجي وترميم البيت الذي يشهد شروخا مؤلمة وخلافات أشد أيلاما، فلعلنا بالكويت أكثر إدراكا لأهمية هذا البعد، فحين غزا العراق الكويت عام 90 كانت دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية خيمة تظللنا وملاذا يؤوينا ونصرة لنا على الظالم حتى عادت الكويت لأهلها، وبالتالي فإن علينا جميعا الشد على يد سمو الأمير- حفظه الله ورعاه- ومساندة جهوده والحث على الاستجابة لها لإصلاح البيت الخليجي وبأسرع وقت ممكن، فالوقت ليس لصالحنا، والمياه لو عادت إلى مجاريها فلن تكون عذبة رقراقة، ولكن المهم التذكير بأن الخلاص الخليجي الوحيد من شرور إيران هو بخلاص الجميع ووقوفهم صفا واحدا قبل فوات الأوان.
عربيا:
سعت الكويت ولاتزال -بقيادة وحكمة سمو الأمير- إلى التوازن بعلاقاتها مع كافة الدول العربية، حتى العراق التي نتوقع من بعض عصاباتها الشر نيابة عن إيران، لم تتردد الكويت بالدعوة إلى مؤتمر لإعادة إعمار ثاني أكبر مدنها (الموصل) بعد تحريرها من داعش، وهذا التوازن بالعلاقات يؤجل بعض الشرور ولا يوقف كل البلاء. كما أن العلاقة المميزة بأكبر دولة عربية -مصر- تعد سندا للأمن القومي الكويتي والخليجي عموما.
دوليا:
من المهم أن تتعزز العلاقات مع الدول الكبرى بتعزيز مصالحها بالكويت والمنطقة، فالدول تحرص وتستميت على استقرار منطقة ما أو اقليم ما إن كانت لها مصالح فيه، ولكنها تكتفي بالشجب والإدانة والدعوة “للحوار” إن لم يكن لها مصلحة بأن ترمي ثقلها لحل أزمة ما.
ختاما، أتوقع تصعيدا إيرانيا بعد الإجراءات الكويتية الدبلوماسية “بخفض” عدد الدبلوماسيين الإيرانيين، وإغلاق المكتب العسكري والأهم- بل الأكثر إيلاما لإيران- هو إغلاق المركز الثقافي الإيراني الذي يعد وكرا “لاطلاعات” (المخابرات) والحرس الثوري، وأنبوبا لتفريخ الخلايا وتجنيد العملاء أينما وجدت هذه المراكز.
ولذا فمن المهم التذكير بأن وحدة الكويتيين الوطنية كانت الوعاء الذي أنقذ بلادنا عام 90، وكانت الجلمود الذي تكسرت عليه أحلام وأوهام صدام حسين، وما كان درعنا بالأمس، هو ترسنا اليوم ولا مفر أو مناص من التمسك به دفاعا عن هذا البلد ورأفة به في وجه رياح عاتية صرصر تعصف بالمنطقة كافة.