كتاب سبر

الأزمة الخليجية.. سلم لي على العقل والعافية

إذا كان ما يعرف ب ” الأزمة الخليجية ” متوقعا بالنسبة للبعض من المراقبين ..فإنه عند الكثيرين من أبناء الخليج ليس مفاجأة فحسب بل صدمة.. ليست في قطع ثلاث دول خليجية هي السعودية والإمارات والبحرين لعلاقاتها الدبلوماسية مع قطر على أهميته ..بل في الإجراءات التي إتخذتها وإعتبرتها رد فعل مشروع على السياسات القطرية المهددة لأمنها ومصالحها الوطنية .

وحيث أنني سبق وأن بينت في أكثر من وسيلة إعلامية رأيي وموقفي من مجمل السلوك القطري خلال العقدين الماضيين ..وإعتبرته مستفزا بل ومثيرا للغضب والإشمئزاز..وإذا طلب مني أي طرف أن أقدم في لائحة مكتوبة تقدم لأهلنا في قطر مكامن الإنحراف التي أرى أن على الدوحة أن تعدلها لكانت قريبة إلى حد كبير من ” لائحة المطالب الثلاثة عشر ” التي قدمتها دول ” المقاطعة “أو دول ” الحصار ” سمها ما شئت ..
وسوف أعيدها بشكل موجز في ختام المقال ..ولكن سوف أتطرق وبشكل موجز أيضا إلى الإجراءات التي إتخذتها الدول الخليجية الثلاث ضد قطر والتي تذكرني
(مع فارق التشبيه بكل تأكيد) بموقف صدام حسين من الكويت قبل إقدامه على إحتلالها وضمها إلى العراق ..حيث كان معظم دول العالم ومنها حكومات المنطقة ومنها حكومة الكويت بل وحتى كثير من الكويتيين يتوقعون أن يقوم صدام بتجاوز الحدود الكويتية بضعة كيلومترات وإحتلال شريط داخل العمق الكويتي ..حيث كان صدام يزعم بأن الكويت إستولت على مزارع عراقية وأنها تغرق الأسواق بالنفط لينخفض سعره وهو وما تعتبره بغداد حربا عليها ..ولكن صدام فاجأ العالم كله بقيامه بإحتلال الكويت كلها وضمها إلى العراق.وبإستثناء ثلاث أو أربع دول عربية وقف العالم كله ضده وضد ماقام به .
ونعوذ بالله أن نشبه ما قام به أخوتنا وأهلنا في السعودية والإمارات والبحرين بما قام به الطاغية صدام حسين ..ولكن ما نحاول أن نبينه ونقوله هو مساواة أو تجاوز رد الفعل ..للفعل ذاته ..فما فعلته الدول الثلاث تجاه شعب قطر تجاوز المنطق المقبول والمسألة وصلت إلى عمق الجانب الإنساني الذي يجبر العاام من أقصاه إلى أقصاه إلى أن يعير الأزمة كل إهتمامه ..وأصبحت معظم دول العالم لا تستبعد أي تطور مفاجئ أخر بما فيه ” العمل العسكري ” في منطقة الخليج فيها هو هي الملاذ الآمن الأخير..
لقد قامت الدول الثلاث ببناء سور للعزلة بين شعوبها وشعب قطر ..وفي الدول الأربع تمتد جذور أهلها ..فالسعودي لديه أقارب في الدول الثلاث الأخرى يتواصل معهم بكل الطرق ومنها أن يدير محرك سيارته في الصباح الباكر ليتغدى مع إبن عمه في قطر أو المنامة أو أبوظبي ..وهكذا الحال مع القطري ..والبحريني ..والإماراتي ..وهذا السور لم نجد له مثيلا في التاريخ سوى سور برلين الذي فصل وعزل الألمان في الشطر الشرقي عن أهلهم في الشطر الغربي ..وحدود اليمنين الشمالي والجنوبي ..والسور الذي يعزل الكوريين في الشطرين عن بعضهما ..ولم يبق إلا هذا السور الأخير ..وكلنا شاهد قصصا ينفطر لها القلب ونحن نرى الدموع في العيون والألم في القلوب تكاد تقتل العجائز والشيوخ في الكوريتين ..فهذه جدة من كوريا الجنوبية تعبر عن غاية مناها أن ترى إبنتها وأحفادها في الشطر الشمالي قبل أن تموت ..وهذا إبن في الشطر الشمالي يريد أن يتواصل مع أبناء عمه في سيؤول ويقول أن أباه مات قبل أن تتحقق أمنيته في رؤية أمه وأخوته ..
ولكن الألمان أو البلدين اللتين بسببهما بني سور برلين ..أو من بنى السور العازل بين الكوريتين ..لم يقم بذلك إلا بعد نشوب حرب مدمرة أتت على الأخضر واليابس ..وفي كلا البلدين كان السبب لما حدث هو الصراع بين القطبين الأميركي والسوفيتي في إطار ” الحرب الباردة ” ..أما في حالة الأزمة الخليجية فهي بين دول يربطها الدم والمصير والمصلحة المشتركة وأصدقاء هذا الطرف في الأزمة وحلفاؤه وأعداؤه هم أنفسهم أصدقاء وحلفاء وأعداء الطرف الآخر ..فعلاقات قطر مع أميركا وأوروبا وروسيا والصين والشرق والغرب هي ذاتها علاقات السعودية والإمارات والبحرين مع تلك الدول ..
أما إيران ..فغموض العلاقات معها لا ينحصر فقط في قطر بل يشمل كل دول الخليج ..وا”لأخوان المسلمون ” هم جماعة تمارس العمل السياسي بشكله القانوني في أكثر من بلد عربي ..بل أن نشاطهم في الكويت والأردن يكاد يكون أقوى وأكثر تأثيرا من قطر و دول أخرى ..أما ” حماس ” وإعتبارها منظمة إرهابية فهي مطلب غريب من البلدان الثلاث التي تعتبر في حالة حرب مع إسرائيل..
ملخص القول أن الأعذار التي ساقتها الدول الثلاث المقاطعة لقطر لم ترتق لدى الشارع الخليجي إلى مستوى ” الجزاء ” الذي إتخذته.

ولكن وعودة إلى السلوك القطري الذي لا يمكن وصفه سوى بالمستفز والمثير للإشمئزاز نوجزها بعدة نقاط منها ما تبثه قناة ” الجزيرة” فنحن في الكويت أول من شرب من هذا الكأس المر حيث كان الأساس الذي قام عليه بنيان القناة هو التطاول على الكويت ورموزها حيث ..مالت الجزيرة كل الميل إلى جانب نظام صدام حسين والترويج والتسويق والتزويق له بغية إعادة إدخاله وإدماجه في المجتمع الدولي ..وكذلك إثارة كل ما يتسبب في الإنشقاق والتفرقة بين أبناء المجتمع الواحد في كل الدول العربية ..إلا قطر بالطبع ..ثم يأتي الأخوة في قطر ويقولون لك إنه حرية الإعلام ..ولم يكلفوا أنفسهم أن يتساءلوا ..كيف تكون حرية إعلام ..والقناة تملكها وتشرف عليها وتديرها الحكومة …وسلم لي على العافية ..وكذلك الأمر في التطوع في إستضافة كل من يثير غضب بلدان الجوار ..أين مبادئ الدبلوماسية وحسن الجوار ..سلم لي على العافية …تناصر الدوحة حركة حماس وتعتبرهم حركة مقاومة تسعى إلى تحرير فلسطين و نيل حقها في الحياة ثم تستقبل في الدوحة زعماء إسرائيل التي لطخت أيديهم بدماء أهلنا من أبناء فلسطين …وسلم لي على العقل والعافية..
تضع مدن الخليج في الليل رؤوسها على الوسادة أمام الشاطئ ..وتنام ملء جفونها ..وتصحو باكرا مع أول شعاع ترسله الشمس ..وتندمج في إيقاع سريع ونشيط بالعمل …والخوف كل الخوف ..أن تفقد هذه المدن عقلها وتقوم بتصرف أهوج وأرعن ..تهدم في لحظات ما بني في عقود …
وسلم لي على العقل والعافية.