كتاب سبر

الأمثال والحكم .. بين الواقع العربي قديما وحديثا

الأمثال والحكم تعبّر عن واقع الحياة من طريقة التفكير وطريقة التعامل والسلوك الحياتي ، وهي خلاصة تجارب مختزلة في كلمة (مثل أو حكمة)، والمثل أو الحكمة يكون على طريقة النثر أو الشعر، ولكل زمان أمثاله وحكمه الخاصة به، والبشر هي من تصنع الأمثال والحكم من خلال التعايش والتجارب، لذلك من يقرأ في التاريخ عن الأمثال والحكم في الأزمان السابقة ويقارنها في زماننا الحالي، هنا سيعرف الفرق بين حياتهم وحياتنا، وطريقة تفكيرهم وطريقة تفكيرنا، طبعا والحديث عن العرب عموما.. ففي الجاهلية وفي عز جهلهم والطغيان الذي يعمهون فيه، تراهم ودودين مداهنين أحيانا للإمبراطوريتين الفارسية والرومية وما أن تُمس كرامتهم وشرفهم ، هنا ترى الدماء تُغرق الأرض، ووقتها، لا الفرس ولا الروم في عيونهم سوى جناح ذبابة مقابل شرفهم وعزتهم كما اتحفنا التاريخ في معركة “يوم ذي قار” ضد الفرس، وفي الجاهلية كان للمروءة والكرامة والعفة وجود ، في وقت كان فيه السبي مشروع والسلب مشروع، ومثال على ذلك ما قاله عنترة بن شداد من حكمة:

ولقد أبيت على الطوى وأظله ** حتى أنال به كريم المأكل.

وقوله:

أغض الطرف إن بدت لي جارتي ** حتى يواري جارتي مأواها.

ثم جاء الإسلام ورفعت فيه العرب رايات الشرف والعزة والكرامة على المستوى العالمي على يد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين والصحابة الكرام، فأجتمعت كرامة وشجاعة العرب في الجاهلية مع الإسلام الذي هذب في سلوكياتهم، وهنا كانت انطلاقتهم مع حياة جديدة وأمثال وحكم مختلفة تماما عن سابقاتها :

أَشُـدَّ عَـلـى الـكَـتيبَةِ لا أُبالي ** أحتفي كان فيها أم سواها.

وَلي نَفسٌ تَتوقُ إِلى المَعالي ** سَـتَـتـلِـفُ أَو أُبَـلِّـغُـهـا مُناها.

وأضاءوا هؤلاء الأبطال ومن أتى بعدهم نور الإسلام في الأرض من مشرقها إلى مغربها، فخضعت لهم رقاب كسرى وقيصر عندما دُكت معاقلهم.

وأما الآن، انظروا لزمان الذل والخنوع الذي نعيشه حاليا ونجسده من خلال أمثالنا الدالة على هواننا “كالهرب نصف الشجاعة” و “أغمض عينيك وعش سعيدا” و ” جبان بس أعيش” و ” طنش تعش” !!! …وما دمنا نكرر تلك الأمثال، فنحن مانزال نتمترس خلف الذل والهوان بعيدا عن مواطن العز والكرامة ما لم تتغير أمثالنا وحكمنا التي هي مرتبطة بتغيير نمط حياتنا ومراجعة سلوكياتنا !

********

في العالم العربي ، الأمثلة السلبية أصبحت متنفس لأغلب الحكومات والشعوب العربية … لو سمعها الأديب “أبو هلال العسكري” لأحرق كتابه الشهير (جمهرة الأمثال) الذي عكف سنين طوال على تأليفه بعد جمع الأمثال وكتابتها وشرحها.!