أقلامهم

الموت.. وظاهرة التعصب!

في موسوعة “لسان العرب” اللغوية ذكر ابن منظور عن التعصب:

“التعصب من العصبية، والعصبية أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته، ويتألّب معهم على من يناوئونهم، ظالمين كانوا أم مظلومين”.

فالتعصب لغير الحق مذموم، لأنه من الهوى، وجاء في القرآن الكريم: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً)

• يمكن تعريف التعصب بأنه شعور داخلي يجعل الإنسان متشدداً، فيرى نفسه دائماً على حق، ويرى الآخر على باطل، بلا حجة أو برهان، ويظهر هذا الشعور في صورة ممارسات ومواقف متزمتة في التعصب الديني، والطائفي، والعرقي، والقبلي، والاجتماعي، والطبقي، وكذلك الفكري.

فلا يمكن للمتعصب أن يرى الواقع على حقيقته، لأنه يرى ما يميل إليه، ولا يرى ما يراه غيره، وإن كان ظاهراً للعيان.

والتعصب يقطع النسيج الاجتماعي، ويوسع هوة الخلاف، ويُذكي النزاعات، ويطيل أمد الخلاف والشقاق!

***

• لكن المفكر السعودي تركي الحمد يتفاءل ويرى أن وفاة الفنان عبدالحسين عبدالرضا كانت بمنزلة استفتاء لانحسار وتراجع ظاهرة التعصب الطائفي، وضرَب مثلاً عملياً بنفسه، عندما تصدر قائمة بأسماء عدد من المثقفين السعوديين يصدرون بياناً يزدرون فيه تلك الأصوات الناشزة، التي حرمت الترحم على الفقيد عبدالحسين بسبب انتمائه إلى طائفته التي وُلد عليها.

• ولو عدنا إلى منتصف القرن الماضي في الكويت، لوجدنا أن ظاهرة التعصب تسببت في أن يسير بجنازة شاعر الكويت فهد العسكر عدد أفراد لا يتجاوزون أصابع اليد، وكذلك الحال مع الشاعر صقر الشبيب.

• ولم يكن التعصب البغيض مقتصراً على العرب والمسلمين فحسب، فالكنيسة لعبت هي الأخرى أدواراً كبيرة بنشر روح التعصب، فلم يسر وراء جنازة جاليليو أو كوبرنيق والموسيقار موزارت سوى عدد أشخاص أقل من أصابع اليد الواحدة.

وكذلك هي الحال مع عشرات المبدعين غيرهم!

والغريب أن معظم من كان التعصب حائلاً دون تكريمهم أثناء موتهم؛ يكرمهم العالم بأسره اليوم، كصناع للحضارة الإنسانية.

***

• ومنذ أيام لبّى نداء السماء مبدعٌ أسعد ملايين البشر لأكثر من نصف قرنٍ… وأبى التعصب إلا أن يدس أنفه، فخرج أحد أيتام التاريخ المعاصر بفتوى تحرم الترحم على عبدالحسين عبدالرضا أو الاستغفار له! لأنه رافضي وإيراني… إلخ.

• لن أرد عليه، فيكفيه ما لقي من ازدراءٍ يبدو أنه كان يسعى إليه ليصيب شيئاً من الشهرة، فهذه إذاً إحدى حسنات الفقيد عبدالحسين عليه!

***

• وإذا كان أبوالعلاء المعري قام برحلة إلى عالم الغيب في رسالة الغفران، ثم تبعه دانتي بالكوميديا الإلهية ووضعا من سبقوهما إلى الدار الآخرة في المكان الذي يرونه مناسباً لهم، حسب تصوراتهما، فإنه يحق لي أن أتصور صديقي عبدالحسين عبدالرضا محاطاً بمجموعة ممن يلقاهم في العالم الآخر، وتغمرهم السعادة لما يحدّثهم به من طرائفه المحببة، التي كان يغمر بها حياة الناس لأكثر من نصف قرن في العالم الذي تركه!

• هذا عبدالحسين الذي عهدته في الحياة، ولا أظنه سيختلف عن عبدالحسين في العالم الآخر.