أقلامهم

سمو الأمير… مصداقية كويتية!

عندما بادرت دولة الكويت، ممثلة بسمو الأمير شخصياً، للوساطة فوراً لاحتواء الأزمة الخليجية بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى، فإنها بالتأكيد وضعت خلاصة تجربتها الدبلوماسية وسمعتها الدولية في سبيل منع تفجّر الموقف بين الأشقاء في المنظومة الخليجية، وسحب فتيل ما لا يحمد عقباه على دول وشعوب المنطقة.

بُعد النظرة الكويتية كان واضحا منذ اليوم الأول، وخبرة صاحب السمو الأمير كانت في محلها، وتحركه السريع عبر جولة مكوكية رمضانية أتى بثماره في تخفيف وتيرة التصعيد المتنامي، وذلك بشهادة المجتمع الدولي وكبار زعماء العالم من القوى الكبرى الذين صرحوا علناً أنه لا بديل للوساطة الكويتية.

هذا باختصار ما أورده سمو الشيخ صباح الأحمد في مؤتمره الصحافي في البيت الأبيض وأمام مسامع الرئيس الأميركي، حيث وضع سموه سمعة بلده ومصداقيته الشخصية على المحك، ولم يكن بحاجة إلى التصنّع أو الإيحاء أو الادعاء بأي حال من الأحوال، ولكن أن يواجه مثل هذا الجهد الصادق والنوايا المخلصة في عدم جر المنطقة إلى أزمة جديدة ببعض التصرفات وردود الفعل غير المسؤولة، فهذا لا ينم عن تقدير روح الوفاء في بعده الوجداني على أقل تقدير.

سمو الأمير ليس بحاجة إلى الثناء أو الامتنان بعد تاريخ حافل بالعطاء الدبلوماسي، خصوصا في الوساطة الحميدة وتجنب المحذور في عالم الصراع طوال نصف قرن من الزمن، وبالتأكيد لن تمس كبرياءه أو مصداقيته تغريدة نكرة وسخيفة أو بيان عابر، لكن فراسة سموه ونظرته المستقبلية الحصيفة هي الأجدر بأن تؤخذ بجدية حرصاً على عدم عض أصابع الندم لاحقاً، وما جرى من تصعيد سياسي علني عنيف في اجتماع الجامعة العربية مؤخراً مؤشر خطير يؤكد ما طرحه سموه وحذر منه في واشنطن.

أمام الحالة السياسية الراهنة، لا تملك الكويت بأميرها وشعبها، إلا أن تستمر في مساعيها الصادقة والمحايدة من أجل تخفيف حدة التوتر وترجيح صوت العقل وخيار الحوار البنّاء بين الأشقاء، فأمن الخليج كل لا يتجزأ، ومحبة أهل الكويت لإخوانهم متساوية في حجمها وحدودها، ونابعة من نوايا حسنة وحتمية تاريخية ومنظور مستقبلي، وهذا مدعاة في حد ذاته لإعادة بناء جبهتنا الداخلية ولحمتها وتماسكها.

لذا نتمنى أن تنطلق مبادرات رديفة ومتوازية لإغلاق الكثير من الملفات والمشاكل الخلافية فيما بيننا، وفي مقدمتها حسم قضايا الاختلاف السياسي ومعتقلي الرأي من المغردين والناشطين السياسيين، وإلغاء القيود المكبلة للحريات واستبدالها بجهود مطاردة الفساد، لفتح صفحة جديدة من الصفاء والشفافية لصون الخندق الوطني ونسيجه الشعبي والعلاقة بين سلطاته الدستورية وهيئاته المجتمعية، فالمنطقة باتت على صفيح ساخن بالتزامن مع مؤشرات التوتر في العراق على خلفية القضية الكردية المرتقبة، وفي وقت استنزفت الكثير من الجهود الإقليمية والدولية على أزمات الشرق الأوسط الراهنة، ولن ينفعنا أحد سوى وحدتنا الداخلية ككويتيين!