كتاب سبر

الخليج.. ما قبل الإعصار

منذ نشأة الدول والخلافات والنزاعات فيما بينها قائمة ومتكررة ومتفاوتة في الحدة حتى صارت أمرا شبه حتمي فاعتنت بها العلوم السياسية وأفردت لها جزءا من دراساتها وأبحاثها لتنشأ تخصصات تعتني بهذا النوع من العلاقات المضطربة فقط ، في الخليج بدأت الأزمة – ظاهريا – بتصريح تم نفيه في نفس اليوم لكنها تفاقمت بشكل غريب لتتحول إلى معركة إعلامية ثم مقاطعة على كافة الأصعدة تنذر بحرب بين الأشقاء ، وتم خلال ذلك استحضار خلافات سابقة مضى على بعضها سنوات ، ما تزال هذه الأزمة مستمرة منذ أكثر من ١٠٠ يوم دون تقدير أو تحسب للمخاطر التي تمر بها المنطقة أو ما قد تسفر عنه من تبعات على الشعوب والأنظمة على حد سواء .

بغض النظر عن رأينا في أداء مجلس التعاون الخليجي منذ نشأته ورأينا في توجهات أطراف الأزمة أو حتى الأسباب الحقيقية التي أنتجتها ، يشعر الخليجي المحايد بالحيرة والإحباط بسبب حالة العجز والشلل التي أصابت مجلس التعاون الخليجي بمجالسه و هيئاته وأمانته و جيش العاملين به ، وصلت الأزمة إلى هذا المستوى من الشقاق بوجود هذا الهيكل التنظيمي الضخم الذي اعتقد الكثير من الخليجيين أنه يمثل شبكة أمان لأي خلاف بين الدول الأعضاء ، تلاشى الإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف واندثرت الرغبة في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بغمضة عين ، وبعد أن كان الحديث عن تعزيز هذا الرابط ليأخذ التطور الطبيعي مجراه نحو تكوين قوة إقليمية تواجه التحديات القائمة و تستغني عن غيرها من القوى ، فإذا بالحديث يتحول إلى التساؤل عن قدرة هذه المجلس على التماسك والاستمرار ، ومع ظهور ملامح تشكل تحالفات جديدة في المنطقة ونبرة التصعيد المستمرة صار المجلس على مفترق طرق ، فإما أن يطور ويفعّل نظامه الأساسي وأهدافه ومنطلقاته مع حفظ واحترام سيادة كل بلد ويلزم نفسه بايجاد عوامل استقرار جديدة تحكم علاقات الدول الأعضاء فيما بينها بدلا من العلاقات الشخصية والشعارات .. أو لينتظر الجميع نهاية هذا الكيان بشكله الحالي ولتحضّر الدول الأعضاء نفسها لمرحلة (ما بعد مجلس التعاون).

النقطة المضيئة في هذه الأزمة هو الموقف الكويتي و جهود الدبلوماسية الكويتية بقيادة حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد ، فقد أثبتت السياسة الكويتية الخارجية المتمثلة بتحركات سموه علو كعبها وحس المسؤولية لديها ، وبعيدا عن تأثير الإعلام الموجه جاء الحياد الإيجابي معبرا بصدق عما يجول في وجدان الشعب الخليجي من قلق تجاه هذه الأزمة التي إن استمرت – لا سمح الله – فلن تتوقف عند انهيار وتفكيك هذه المنظومة بما تحويه من أفكار ومبادئ ، بل قد يتعدى تأثيرها البعيد إلى داخل دول الخليج كل على حده .

@nasseralkhaldi