أقلامهم

فقط.. المسلم إرهابي!

الجريمة المروعة التي حصدت أرواح 59 شخصاً من المدنيين العزّل والآمنين، وجرجت 500 آخرين في لاس فيغاس الأميركية لم تصفها وسائل الإعلام الغربية أو المؤسسات الأمنية بالإرهابية!

الرئيس الأميركي نفسه وصف الحادثة بالفعل الشيطاني والشر المطلق، لكنه لم يلفظ كلمة الإرهاب عليها، واعتبرتها التحقيقات الأولية ووسائل الإعلام مجرد حادث إطلاق نار، قد يكون شريراً، وقد يكون القاتل الانتحاري، الذي قتل نفسه قبل وصول الشرطة إليه، مجرماً محترفاً أعد لجريمته خطة محكمة ونفذها ضد أناس لا يعرفهم وبشكل عشوائي، إلا أنه في نظر الغرب لم يصنف إرهابياً، ولعل السبب في ذلك بكل بساطة أن الأميركي ستيفن بادوك ليس مسلماً!

المفارقة العجيبة أن هذه الجريمة نفسها وطريقة تنفيذها وأشخاص الضحايا كانت بلا أدنى شك تصنف بالعمل الإرهابي مثلما وصفت جريمة قتل مواطنتين فرنسيتين نحراً قبل أيام قليلة في مرسيليا لأن منفذها كان عربياً مسلماً، وهذه ليست الحالة الأولى لهذه الازدواجية في تصنيف جرائم الذئاب المنفردة، فقد وصفت وسائل الإعلام الغربية بالإجماع عملية دهس جنود إسرائيليين في فلسطين المحتلة، وكذلك عملية دهس المواطنين الألمان بشاحنة يقودها مسلم عربي بالإرهاب، في حين صنفت عملية دهس المواطنين الأميركيين في نيويورك قبل عدة شهور بالجريمة بواسطة مختل عقلياً لأن مرتكبها كان أميركياً!

الإعلام الغربي وبشكل منتظم ومتعمد يساهم في خلق ثقافة خاصة في مجتمعاتها قوامها أن الإرهاب المعاصر “أيقونة” تخص الإسلام والمسلمين فقط، وما عدا الجرائم التي يرتكبها المسلمون أو العرب فهي محصنة من معايير الإرهاب وصفاته ودوافعه، وسواءً كان هذا التمييز أو ازدواجية المعايير مقصوداً أو عفوياً أو حتى مرتبطاً بالتعريف العلمي والموضوعي للإرهاب، فإن ذلك بلا شك يزيد في حالة الكراهية ضد المسلمين في المجتمعات الغربية، كما يؤجج مشاعر الحقد لدى الكثير من المسلمين تجاه الغرب في عصر يسمى بصراع الحضارات بين الإسلام والغرب.

الإرهاب كمفهوم علمي يطلق على محاولة بث روح الرعب لدى الآخر لشد الانتباه لقضية ما أو لأهداف محددة، ولو بأبشع أنواع الجريمة والفتك بعوام الناس وفي الأماكن العامة، وبالتأكيد فإن التنظيمات التي تدّعي الإسلام، وتمارس هذا القتل العشوائي والوحشي ضد البشرية وخصوصا المسلمين منهم، هي الإرهاب بعينه، بل بأبشع وأنذل صوره، ولكن ذلك لا يمنع إطلاقاً من وصف الكثير من الجرائم التي تحصد أرواح الناس بعشوائية إرهاباً مثله، لأنها كذلك تهدف إلى لفت الانتباه وإلى إيصال رسائل قد تكون شيطانية أو تضمر الحقد والمرض الداخلي تجاه الآخرين.

لكن هذا التمايز بالتأكيد لا يخدم الجهود المشتركة لوضع حد للعنف مهما كانت دوافعه والتصدي للمجرمين المغسولة عقولهم لتخليص العالم من شرهم، ولعل الغرب لا يلام كثيراً في هذا التصدي للفرز من منظور ثقافي ومقاصد إعلامية ومصالح استراتيجية تحددها دوائر القرار عندهم، والملام الأكبر الذي أوصلنا إلى هذه الدرجة الملعونة في نظر العالم هم بنو جلدتنا، وخصوصا أدعياء الوصاية على ديننا، في دلالة واضحة على أنهم يريدون أن يشوهوا هذا الدين الكريم عن سبق إصرار وتعمد!