كتاب سبر

الخليج .. ما قبل الإعصار (٢)

يستخف البعض بأهمية مجلس التعاون الخليجي ويقلل من شأنه ، و يمكن فهم سبب هذا الاستخفاف إذا نظرنا إلى وضعه الراهن ، فالقمة الخليجية القادمة في ديسمبر قد لا تُعقد ، ولا يبدو أن هناك لوائح وأنظمة وآليات تعالج مثل هذه الحالة .. أو هكذا أظن و أتمنى أن أكون مخطئا ، وكل حديث عن مجلس التعاون الخليجي يجرنا للحديث عن الأزمة الخليجية ، ومع أنني أفرق بين الموضوعين وأفصل بينهما ، إلا أن العلاقة بينهما علاقة عكسية ، فلو كان المجلس يعمل بالشكل الأمثل لما حدثت الأزمة الخليجية ابتداءً أو على الأقل لم تكن بهذه الحدة.

في السنوات القليلة الفائتة دارت حوارات في وسائل الإعلام المختلفة حول إمكانية تفعيل مجلس التعاون الخليجي حتى وصل الأمر ببعض المهتمين إلى الدعوة لاتحاد كونفدرالي بين أعضائه على غرار الاتحاد الأوروبي ، ومع علمنا بأن المسألة ليست مقارنة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي فالمقارنة بينهما ظالمة بالنظر إلى اختلاف الأسس التي يقوم عليها كلا الكيانين ، فالعامل المشترك بين الدول الأوروبية ليس الدين واللغة والنسب ، بل هو في كونها دولا ديمقراطية جاءت حكوماتها إلى السلطة بإرادة شعبية ، وقد حددت هذه الحكومات المصلحة العليا لدول الإتحاد ودعمته الشعوب الأوروبية مباشرةً بالاستفتاء سواء بالإنضمام إليه أو بالانفصال عنه ، فالقاعدة الشعبية هي أول عوامل الإستقرار في هذا الاتحاد ، وتأكيدا على ذلك وجود البرلمان الأوروبي الذي يُنتخب أعضاؤه من جميع دول الإتحاد وفقاً لعدد سكان كل دولة ، ويعمل هؤلاء النواب بناء على مصالح الاتحاد لا مصالح بلد النائب ، و نلاحظ أن المشاركة الشعبية المباشرة وغير المباشرة ليست هي عامل الإستقرار الوحيد في الاتحاد الأوروبي ، فإذا ابتعدنا قليلا عن ديمقراطية الاتحاد الأوروبي لمعرفتنا بأن حالة الطقس في بعض العواصم الخليجية لا تزهر ديمقراطية أو مشاركة شعبية ، نجد أن العامل الثاني هو إنشاء المحاكم الأوروبية ، فالعلاقات و الخلافات بين دول الاتحاد الأوروبي تحكم فيها المحاكم الأوروبية المنبثقة من الاتحاد ، هذه المحاكم تحكم بناء على قوانين ألزمت بها الدول الأعضاء نفسها منذ اليوم الأول في عضويتها بالاتحاد ، و هذا بالطبع ما يفسر عدم وجود خلافات حادة تصل لسحب السفراء ناهيك عن مقاطعة أو حصار فالكل يعمل تحت مظلة واحدة واضحة الحدود والمعالم .

لذلك .. ومع مثالية الفكرة وجمالها لنا كخليجيين إلا أنها سرعان ما تصطدم بجدار الواقع ليتبين أنها غير عملية وغير قابلة للتطبيق في الوضع الحالي ، فبعدم وجود برلمان خليجي أو هيئة شعبية تصنع تناغما وتوازنا في العلاقات بين الدول الأعضاء وعدم وجود محكمة خليجية أو هيئة تحكيم تضبط الخلافات بين الدول الأعضاء تكون العلاقات القائمة عليه علاقات أفراد ، فلا شيء يمنع العلاقات الخليجية من الإنحراف بعيدا عن اعتبارات التاريخ والجغرافيا والقيم ومصالح الشعوب إلى مزالق الطموحات الشخصية والثروة والمزاج الشخصي ، وإذا مرت هذه الأزمة و عاد مجلس التعاون إلى حالته السابقة ، فلايوجد أي ضمانات بعدم تكرارها مستقبلا.

ناصر المروت الخالدي
@nasseralkhaldi

تعليق واحد

  • مرحلة مجلس التعاون الخليجي ما بعد مرور الأزمة الخليجية الحالية سيكون مختلف تماما ، وبسبب الهزة الحالية بلا شك التي أحدثت شرخ وصل للعظم على كافة المستويات السياسية والإقتصادية وحتى الإجتماعية للأسف ، ولا يعقل أن المظلة الجامعة لشعوب دول المنطقة ، تنهار بهذا الشكل الدرامتيكي المفاجئ مع أول تجربة وحدث تاريخي الإ اذا كانت من الاساس مبنية على قواعد هشة تذروها الرياح ، مع الواقع السلبي حاليا إلا أن إيماني بالإيجابية يدعوني للتفائل بمستقبل أفضل للمجلس ، و أن ماحدث مجرد حجر رمي في مياة راكدة لتحريكها لتلافي سلبيات الماضي وبناء صرح جديد مبني على التكاتف المصيري والتفاهم على إستراتيجيات ثابتة غير قابلة للإجتهادات الفردية والمصالح الفردية الضيقة التي تهزم جماعية عمل المجلس ، دور الأمين في الفترة الحالية مع الأزمة مشلول تماما ، ومن الضروري جدا مستقبلا توسيع امانة المجلس ليكون العمل تعاوني جماعي غير مقتصر على شخصية واحدة ، يكفي عبثا بمقدرات ومكتسبات الشعوب فقد إنهارت مع الأزمة اسماء ورموز وشخصيات للأسف لم نتوقعها بهذة السطحية الكارثية ، وسيبقى الشيخ صباح الاحمد العلامة الفارقة في جمع الكلمة وصاحب الحكمة التي ستلملم اللؤلؤ الخليجي المتناثر لينظمها في عقد جديد

أضغط هنا لإضافة تعليق