محمد فاروق الامام
كتاب سبر

آذار وبحار الدم (٣٢)
القصة الحقيقية لحادثة مدرسة المدفعية

سهّل النقيب البعثي إبراهيم اليوسف المسؤول الأمني لمدرسة المدفعية بحلب، لمجموعة من أفراد الطليعة يقودها عدنان عقلة بدخول المدرسة في صباح يوم 16 حزيران عام 1979م، وقد جمع هذا النقيب كامل طلبة المدرسة في قاعة الندوة لينهال عليهم عدنان عقلة ورفاقه رمياً عشوائياً بالرصاص والقنابل اليدوية، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الطلبة بين قتيل وجريح، وبعد إنجاز المهمة بنجاح فرت المجموعة المنفذة للعملية يصحبها النقيب إبراهيم اليوسف إلى جهة مجهولة. وقد هزت هذه العملية سورية من أقصاها إلى أقصاها، وفوجئت جماعة الإخوان المسلمين وقيادتها بوقوع هذه الجريمة البشعة، فسارعت إلى الإعلان فور سماعها وقوع هذه الجريمة عن استنكارها لهذا العمل الإجرامي، وأصدرت بياناً تنفي فيه نفياً قاطعاً صلة الجماعة بهذه الجريمة، ووصفتها في بيانها بـ(المذبحة البشعة)، وأعلنت أن إبراهيم اليوسف هو عضو عامل في حزب البعث وليس له أي صلة بجماعة الإخوان المسلمين. وتحدى البيان (أن تثبت أي جهة في العالم عن طريق تحقيق نزيه أن تكون قيادتهم أو عناصرهم قد سارت في طريق العنف، علماً بأن الحكم السوري قد اوجد له كثيراً من الخصوم الذين يؤمنون باستخدام العنف). أما الطليعة فقد أصدرت بياناً أكدت فيه مسؤوليتها عن العملية.
ورغم تنصل جماعة الإخوان المسلمين من هذه العملية والتنديد بمرتكبيها، إلا أن العميد عدنان دباغ وزير الداخلية أعلن رسمياً في 22 حزيران – أي بعد وقوع العملية بستة أيام – مسؤولية جماعة الإخوان المسلمين عنها وعن كافة العمليات التي سبقتها، اعتماداً على بيان تركه منفذو العملية في الموقع يقول: (إن من نفذ العملية هو الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين – كتيبة الشهيد مروان حديد).
وعلى أثر العملية قامت سلطات الأمن باعتقالات عشوائية لكوادر الجماعة ورموزها عام 1979م بشكل متصاعد لدرجة أن أحد قادة الجماعة وصف هذه الاعتقالات بأنها (ضربة صاعقة وقاتلة) إذ تم بنتيجة هذه الاعتقالات تمزيق كل شبكة الاتصالات ما بين قيادة التنظيم العام وقواعدها
وكشف بنيتها الأساسية.

إعدام خمسة عشر إخوانياً
كشفت الطليعة عن نفسها بعد عملية المدفعية، كما أن السلطة أعلنت لأول مرة اتهام الإخوان المسلمين رسمياً بالمسؤولية عن كافة العمليات التي سبقت تلك العملية، بعد أن كان الاتهام يوجه عادة إلى الخارج لاسيما إلى نظام (اليمين المشبوه) في العراق بحسب إذاعة دمشق ووسائل الإعلام الرسمية. وكان هذا يعني اعترافاً صريحاً بأن العدو هو في الداخل وليس في الخارج. وفي 27 حزيران عام 1979م تم إعدام 15 إخوانياً متهمين بأعمال قتل ووصفتهم محكمة أمن الدولة العليا بـ(عملاء الإمبريالية والصهيونية والسادات في بذر بذور الفتنة تحت ستار الدين، وتسديد ضربة قوية للوحدة الوطنية الداخلية).
أحكمت الطليعة إثر مذبحة المدفعية اختراقها لقواعد الإسلاميين واستقطابها لها، واستوعبت مجندين شباناً جدداً لم يكن لهم أي خلفية سابقة بالإخوان أو التدين.
في حين تمكنت أجهزة الأمن – بعد تراجعها – من تكوين خبرة في التعامل مع هذا النوع من القتال بعد استقدام عدد من خبراء حرب العصابات من بعض الدول الشيوعية قاموا بتدريب عناصر الأمن على التكيف مع مثل هذه الحرب، وبالتالي فقد نجحت أجهزة الأمن في تفكيك قواعد الطليعة عبر أساليب (الفخاخ) و(الشبكة العنكبوتية) و(استفزاز العصابيين) و(الحواجز الطيارة) لإخراج كوادر الطليعة من مكامنهم والإجهاز عليهم.
وتوضح إحصائية جزئية لعينة تشمل (13384) حركياً إسلامياً اعتقلوا ما بين عامي (1976-1981م) بعض السمات السوسيولوجية الأساسية لتركيب الحركة الإسلامية في هذه الفترة. فقد كانت نسبة الطلاب في هذه العينة (27,7%) والمدرسين والمعلمين (7,9%) والمهنيين (13,3%).
لقد تميزت الحياة السياسية السورية خلال أعوام (1979-1982م) بكافة المؤشرات التي تعتبر مدرسياً كمؤشرات للعنف السياسي من: تظاهرات وأحداث شغب وتمردات وإضرابات واغتيالات ومحاولات اغتيال وخطط انقلابية عسكرية واعتقالات وحرق مؤسسات عامة ومعارك شوارع ومداهمات أمنية وتوتير سياسي ومنع تجول ومحاصرة مدن وتفتيش شامل، وقتل واعتقال على الهوية، وتعذيب في أقبية التحقيق والسجون والمعتقلات حتى الموت، واعتقالات عشوائية كانت تطال قريب المعتقل أو المطلوب من الدرجة الرابعة، وتفجير بيوت، وحرق مزارع، وإلقاء البعض من طائرات مروحية عسكرية بعد تصفيتهم، وتمشيط الأحياء والقتل الجماعي (مجزرة تدمر، ومجزرة حلب، ومجزرة جسر الشغور، ومجزرة حماة الكبرى)، وتصاعد الإرهاب والإرهاب المضاد.
يتبع