أقلامهم

المصالحة الوطنية والعفو العام

تزايد في الآونة الأخيرة طرح فكرة المصالحة الوطنية ويختزلها البعض في موضوع المبادرة إلى تبنّي الحكومة أو موافقة مجلس الأمة أو كليهما قانونا للعفو العام عن المحكومين في قضية ما يعرف باسم «دخول المجلس»، ونظرا إلى ما يحظى به هذا الموضوع من اهتمام شعبي واسع، فإنه أضحى قضية وطنية تستحق أن نتحدث عنها بشيء من التفصيل، والتوضيح المهم الذي يتناسب مع طبيعتها وما يلابسها من أمور عدة.
ولعل من نافلة القول ان نشير إلى أن المصالحة الوطنية هي تعبير عما يتم بذله من جهود ويقدم من تنازلات وما يتم التوصل إليه من توافقات لتجاوز حالة من الاختلاف المتّسع بين أطراف وأطياف العمل السياسي الوطني بما يزيل أهم أسباب تلك الخلافات، ومن ثم يتم تقليل مواطن الخلاف أملا في تحقيق توافق وطني، يلتقي عليه معظم أو كل الأطراف، ولذلك يطلق على هذا التوافق مصالحة وطنية بهدف طي صفحة تلك المرحلة والبدء بمرحلة جديدة من العمل الوطني بمشاركة كل الأطراف وتخفيف التوتّر والتنافر الذي خلفته تلك المرحلة.
ولو عدنا للكويت لوجدنا أننا شهدنا في السنوات الأخيرة عدداً من الأحداث المتتالية التي أوجدت اختلافا واضحا بين أطراف ومجاميع العمل السياسي الوطني، انعكس بمقاطعة الانتخابات، وصاحبه تصعيد في الطرح السياسي، بل حراك سياسي، وصل إلى الشارع، احتجاجا على ما وصلت إليه ممارسات الفساد المالي بشكل غير مسبوق.
وقد سبقته وعاصرته حالة واضحة من التضييق على الحريات وتقديم أعداد ليست قليلة من الشباب المغرّدين للمحاكمة وسجن بعضهم أيضا، ومراقبة وسائل الإعلام وتغيّر نمط الجو العام بالدولة، في ظل مجلس للأمة يسيطر عليه ضعف، وبعض أعضائه أطراف في ملف الفساد أو تدعم أو تساهم به بشكل أو بآخر، وهو ما ولّد شعوراً بضرورة وجود تغيير في الخطاب السياسي العام والممارسة السياسية وفي مقدمها مجلس الوزراء الذي يهيمن على مصالح الدولة، ولذا طرحت مبادرات المصالحة السياسية لطي ملف هذه المرحلة وتخطي تداعياتها.
وقد أخذت هذه المبادرات مساراً آخر، من خلال فكرة قانون للعفو العام حتى تكون الشراكة المجتمعية مساهمة متكاملة في تحقيق حالة التوافق المجتمعي والمصالحة الوطنية، غير أن قصر ذلك على قضية دخول المجلس لا يكفي، وإنما ينبغي أن يشمل طائفة القضايا التي ترتبط بالحريات العامة وحرية الرأي والتعبير والتجمع، ولا يشمل قطعا قضايا أمن دولة أو جرائم جنائية اعتيادية، حتى لا تختلط الملفات ببعضها من دون موجب وبشكل غير مقبول.
ويهمنا أن نوضح أن هناك خلطاً بين العفو العام، والعفو الخاص، الذي أوردته أحكام الدستور؛ إذ إن العفو العام هو ذاته ما يطلق عليه البعض العفو الشامل ولا بد من قانون لإصداره ويصدر بأي مرحلة أثناء المحاكمة أو بعد صدور الحكم النهائي، ويكون عفوا لطي صفحة نمط أو طائفة من الجرائم المرتبطة بظروف عامة أو جريمة ذات طبيعة عامة، لها طبيعة ودواعٍ محددة، وينبغي تحديد ذلك بشكل دقيق ومنضبط بالقانون.
أما العفو الخاص فإنه سلطة تقديرية بيد سمو الأمير، ويكون بأداة المرسوم الأميري، ويكون صدوره بعد صدور الحكم النهائي فقط، ويكون موجَّهاً للمحكوم عليهم وبأسمائهم، وعادة ما يتطلب تنفيذهم جزءاً من العقوبة.
ولا شك في أن الوضع العام في الكويت يحتاج مصالحة وطنية بمفهومنا الواسع، والتي تشمل جملة من الخطوات والإجراءات العفو العام جزءاً منها، ولكنه حتما لا يقتصر عليها، والحاجة الى طي صفحة الاختلاف على الساحة الوطنية، وبث حالة من التفاؤل والتغيير المستحق في هذه المرحلة مع إصلاحات سياسية ومالية تعزّز ثقة الشعب بالدور الريادي، الذي يمكن أن تتولاه الحكومة الجديدة في إحداث نقلة نوعية على الحالة العامة في البلد طالت فترة انتظارها وترقّبها، خصوصا في ظل الظروف الإقليمية الحرجة.
أعرف أن هناك مَن يتّفق معي، وهناك مَن يختلف معي، لكن حينما تكون هناك حالة اختلاف في البلد فإننا مهما تجاهلناها أو سايرنا من يهوّن منها فإنها ستورث في النهاية وهناً وضعفاً مزمنا في الدولة، ولن يتم الخروج منها؛ ما لم نطرح، بمصارحة كاملة، حتمية المصالحة الوطنية.