آراؤهم

خواطر عن ثورة 25 يناير

صادف لحظات كتابة هذه الخواطر الذكرى السابعة لثورة 25 يناير التي اشتعلت في بلاد الفسطاط فأورثت صدمة و اهتزازاً لكثير من السُلطات الحاكمة في الوطن العربي . ثورةٌ قامت على أشلاء أفكار و أنبتت أفكاراً أخرى ومفاهيم جديدة .

وهذه خواطرٌ مرّت في فؤادي وأنا أستذكر تلك الثورة وأحداثها وما أعقبته من وصول حزبٍ سياسي اسلامي عن طريق الصناديق لحكم مصر لفترة وجيزة ، ثم ما أتى من انقلاب عسكري هدم ما بناه الأول في لحظات وكأن بنيانه كان على شفا جُرفٍ هار فانهار بهم الى غياهب السجون ، وتمت الكلمة للعساكر والأجناد .
إن الناظر والمتأمل لسياسة الشعوب يجد أنه لا تتم سلطة حزبٍ ما حتى يتم أمر الرجال والمال في يد راغب السلطة ، فقد قال الموبذان الحكيم الفارسي أنه لا يقوم حكمٌ الا بقانون ولا يقوم القانون الا برجال ولا يقوم الرجال الا بالمال ، فالرجال في المنظومة السياسية المعاصرة تعني بالوزارات والاجهزة الحكومية الحساسة مثل الدفاع والداخلية والامن الوطني و الاستخبارات وغيرها ، والمال يعني بوزارة المالية والايرادات والضرائب والدخل القومي وغيره ، فإن لم تملك السلطة الجديدة هذين الأمرين ( الرجال والمال ) امتلاكاً حقيقياً فإن مآلها هو السقوط السريع عن سدة الحكم ويبقى الامر لمن يمتلك الأمرين ، وهذا ما وقع فيه الحزب السياسي الاسلامي الذي حكم الديار المصرية ، فما الفائدة من أن تكون السلطة التي تزعمها التيار الاسلامي السياسي في مصر أن تكون قوة امتلاكها وسيطرتها محصورة في الوزارات الثانوية كالتعليم والشؤون الاجتماعية والشباب وغيرها ؟
وأمرٌ آخر هو ، أن ما كانت تنادي به الأحزاب السياسية الاسلامية من مبادئ وجدنا أنها تغيرت بمجرد الوصول الى السلطة ، فالتعددية أصبحت إنفرادية و استيعاب الآخر أصبح إقصاء للآخر ، وأصبح الحزب لا يفرق بين الآراء والمبادئ ، ووجدنا ما كان يعيبه الاسلاميون في غيرهم أنهم وقعوا في نفس الوحل ، فالمبدأ لا يتغير حتى يتغير النهج ، أما الآراء والتقنيات والأدوات فتتغير حسب الظروف المحيطة والأزمنة المختلفة .

وقديماً كان العرب في الجاهلية يحملون في أسفارهم أصناماً من تمرٍ وعجوة ، فيعبدونها عند الطمع والرجاء و يأكلونها عند الفزع والجوع
وكذلك حال المتغنين بالديمقراطية والتعددية من الليبراليين والعلمانيين ، وجدناهم يذمون آلية الانتخابات و الديمقراطية وياكلونها كأنها صنم عجوة وكانوا له من قبل من العابدين الساجدين ، وجدناهم يذمونها لمجرد أنها أتت بالاسلاميين الى سُدّة الحكم ، فأصبحت أداة الحرية والديمقراطية أداة توحش ورجعية ، فكانوا بذلك أسوأ مثال لليبرالية التي عرفناها وهي تدعو للحرية وعدم العبودية و فقدنا الليبرالي الحقيقي الشجاع الذي لا يحابي ولا يجامل ويعترف بما تفرزه الأداة الانتخابية من إفرازات ولو كانت تخالف منهجه .
كانت العرب قديماً تخشى من أبيات الهجاء والشعر أشد من خشيتهم من الأسنة والرماح ، فكان شيوخ القبائل وملوك العرب في الجاهلية والاسلام يستميلون الشعراء لما لديهم من تأثير كبير في صناعة الرأي العام والتحريض ، فكل مملكة أو مؤسسة لا تملك لساناً اعلامياً فإن مآلها السقوط في مهالك الهجاء السياسي حتى تفقد ثقتها وكيانها ، وهذا ما حصل في تلك الفترة من تهجم الكثير من الاعلاميين على السلطة في مصر إبان حكم الاسلاميين لها ، والسعي الى هزّ صورتها و زعزعة كيانها عبر أخبارٍ يراها بعض المراقبين أنها تحمل رايات الكذب و الإدعاء في أكثرها و يرى آخرون فيها حقائق انتقادية لاذعة لممارسات السلطة أنذاك ، منا أدى الى تبنيها موجة احتجاج ودعوة للثورة المضادة وهذا ما حصل ، فإن السلطة التي لا تملك اللسان المؤثر الاعلامي فإنها مآلها مآل الدول التي سقطت بأبيات شعر في قديم الزمان .

* باحث في الفكر الإداري

تعليق واحد

  • كلامك صح الي يملك المال و الاعلام هو الي يفوز و دونالد ترام بالإضافات لمصر مثال عظيم لهاذا شكرًا علي المقال ا.جاسم

أضغط هنا لإضافة تعليق