آراؤهم

متلازمتي في الأعياد

عندما أتذكر تلك الأيام أجدني فيها بتفاصيلها، أيام التحرير، كأنه خط مرسوم من الزمن وأنا أعيشه بين الواقع والخيال، وقارعة الألم والأمل الآتي، وأرصفة اليأس من لقاء الموتى وانتظار العائدين بعد غياب الأسر والتهجير.

يوم التحرير، ومتناقضات أفقدتنا ملامحنا الحقيقية، لا نعلم أيبكي «حمد» فرحاً بالتحرير أو حزناً على أسير، وهل تبحث «نورة» بين الوجوه عن ولدها الذي لم يعد إلى البيت منذ أيام وقد انقطعت الاتصالات في الكويت، أو عن أخيها الضابط في جيش الكويت إن كان دخل مع زملائه إلى أرض الوطن حاملاً بشاراته بألوان العلم؟ الوجوه تعلوها الدهشة التامة التي محت تعابير الإنسان الطبيعية في مشهد ما.

فبراير، شهر الاستقلال والتحرير، مناسبتان تضطرانك للتناقض، الاستقلال من وصاية أجنبية، والتحرير من احتلال عربي، كم هي معادلة معقدة بالرغم من وضوحها، الظلم لا دين له ولا قومية ولا جنسية، لأنه ينتمي للشياطين الرابضة في كل عقل لئيم مليء بالشر فقير إلى الخير لا شرف له.
أقعدتُ الكمبيوتر في حضني لأرشوه حتى يعينني على كتابة قطعة ملائمة في فبراير عن الكويت، أتعرفون كم مرة جربت تدليله ومسحت شاشته و«كيبورده» وملأته بالشحن؟
أكثر من خمس مرات فقط لأكتب ما يليق بشهر الاستقلال والتحرير، لأكتب عن الأفراح والسعادة والزغاريد والأعلام المرفرفة والتي سترف لها القلوب إلى آخر نفَس في أجسادنا، أتدرون كم قطعة إيجابية كتبت عن كثير من المواضيع فقط لأعد عقلي للاستجابة لسطر ملحمة الابتسامات وتبادل التهاني وطرق الأبواب بين الجيران للاطمئنان على كل فرد من أسر الكويت، ثلاث قطع ولكنني عجزت عن ترويض تفكيري.
عجزت لأن، كما شاركتكم من قبل بأكثر من مقال وفي غير مقام، لدي متلازمة «الحزن في الأعياد»، وأظنها عضال، العيد يذكرني بمن رحلوا عني حتى صار يومه منسكا للصلاة والأضحية ولكنه خال ممن نحبهم ويحبوننا، لا ملفع جدتي العبِق بدهن العود المعتق فأقبلها عليه قبلة العيد هنا، ولا الظرف الأبيض الذي يحاول أبي زجه في جيبه العلوي «للدشداشة» ليخفيه عني وأشاغبه حتى انتزع عيديتي هنا.
والشيطان الملعون يعمل على وتر الفقد ليحزننا، فتبدأ معركة تتطاير سيوفها وغبار أرضها وأخرج بإرهاق الجهاد والضعف وخور القوة والانسحاب ولكنني أنال منه أيضاً وأنتصر عليه ولله الحمد، وهكذا حتى عيد آخر وفرح آخر.
عجزت لأن السياسة تعبث حتى بأوقات أعيادنا ومناسباتنا الوطنية والتي ما كان عليها أن تمسها وتتركنا في حال من الحيرة ندخل تحدي الصبر بصدور لم تنفع معها الدروع، مثقوبة وتنزف لوطن أضاعت بوصلة الخطاب فيه بين الفريق الطيب والفريق السيء، وكلاهما أبناؤه.
عجزت لأن شيئا مني فاق جزءا مني، وما قبلت التنازل عن مشاركتي معكم في هذا الشهر العظيم لبلدي، فعذراً قرائي لأنني أحزن، سامحوني فأنا أطارح الكلمات هنا، تصرعني مرة وأصرعها أخرى وما زلنا متعادلين ولا توجد ضربات ترجيح في قانون الكتابة.
أكان من اللائق أن يزج مشروع دعم المحتل في نفس الشهر الذي دُحر فيه من أرضنا ؟!.. لا والله.