كتاب سبر

“آكُلُ لَحْمي ولا أدَعُهُ لآكِلٍ”

مثل رائع وحكمة قديمة ، قالها عربي اسمه العيار الضبي في حضرة النعمان بن منذر ملك الحيرة موجها كلامه هذا لرجل من بني يربوع كان يشتم ضرار الضبي وهو من نفس قبيلة العيار وفي غياب ضرار هذا، فغضب العيار وشتم اليربوعي أمام النعمان فقال النعمان مستغربا: أليس ضرارا هذا الذي تدافع عنه هو نفسه الذي تشاتمت معه أمامي وحصل بينكما خلاف عظيم ؟!… فقال العيار الضبي: نعم، ولكن أبيت اللعن -جملة تفخيم للنعمان- (آكل لحمي ولا أدعه لآكل) وأرسلها مثلا.

قالها عربي في الجاهلية ، فأين عرب هذا الزمان الذين استمرأوا أكل لحوم اخوانهم من العرب والمسلمين وأدمنوها ، أين هم من مروءة العيار الضبي الذي تسامى على كل خلاف وخصام حصل مع ابن قبيلته ودافع عنه وهو غائب ؟!.…ففي سوريا -فصائل ومعارضة- وفي فلسطين وفي اليمن وفي مصر وليبيا وفي أزمة الخليج مؤخرا … أصبح كل عربي يسابق الآخر في أكل لحم أخيه بينما الغرب وإسرائيل وإيران تضحك من همجيتهم وشراستهم التي لا تظهر إلا على بعضهم البعض فقط !…

يا من استطاب لحم أخيه ، أنت اليوم ما بين مأمور به من الغرب وإسرائيل وإيران بنهش لحم وجسد أخيك وبين الخوف والعجز الذي منعك وجعلك حبيس خنوعك حتى أصابك الجوع فرأيت لحم أخيك الواهن والغافل أقرب لك وأطيب طعما … فأعلم أيها العربي المعاصر ، أنك في كلتا الحالتين، أنت مجرد ضبع وضيع وحقير سافل ، فلا الأسُود بلغت ولا الذئابا.