أقلامهم

أعيادنا الوطنية بين الناقص والزائد!

هل نحن أحسن حالاً بعد 27 سنة من تحررنا من الاحتلال العراقي؟ كيف مرت هذه السنوات الطويلة من عمرنا كبلد وهي فترة تساوي تقريباً الفترة الزمنية من الاستقلال إلى يوم غزو صدام حسين لبلدنا في 2/ 8/ 1990؟ وما الدروس المستفادة من تلك التجربة المريرة والمحطة المفصلية في تاريخ الكويت الحديث؟

هذه مجموعة بسيطة من التساؤلات من بين قائمة طويلة من الأسئلة المشروعة التي تفرض نفسها ونحن نستذكر لحظات الابتهاج بتجدد عيدنا الوطني وذكرى التحرير، ونعيد إلى الأذهان والقلوب الوفاء لشهدائنا الأبرار والجنود المجهولين الذين لم يبخلوا على الديرة بما كانوا يملكونه من إمكانات تحت سلطة البطش، وأخيراً تلك الصورة الرائعة في تجسيد حقيقة الوحدة الوطنية والهوية الكويتية الأصيلة التي ترجمها كل كويتي وكويتية طوال سبعة شهور من الاحتلال.

مكانة الأمم وسجلها في النجاح أو الإخفاق لم يعودا خاضعين للأماني أو مجرد الإعلان عن الطموحات، بل باتا يدوّنان وفق مؤشرات دقيقة قابلة للقياس والمقارنة، ليس مع بعضها البعض فقط، إنما عبر محطات زمنية للدولة نفسها، فكم من أمة تجاوزت محنها وابتلاءاتها فبلغت المعالي، وكم من بلد اندثر وطوته صفحات النسيان تحت ركام الفشل، فألمانيا النازية المهزومة تبدلت لتتربع اليوم بحلة جديدة على مجد الاقتصاد والصناعة، واليابان التي سُوي بها الأرض بالقنابل الذرية تحولت إلى قاهرة للمستحيل في الدقة والنظام والمدنية الحديثة، وكلتاهما في أقل من عقدين من الزمن.

سنغافورة المنبوذة كجزيرة لرمي النفايات صار يشار إليها بالبنان في كل مؤشرات التنمية، تليها كوريا الجنوبية المحتلة وماليزيا الفقيرة والصين العملاقة، وهذه نماذج من الشرق والغرب، ومن الكبير والصغير، ومن الأغنياء والفقراء ولكنها اتفقت على النجاح، كل وفق طريقتها الخاصة.

ونحن لا نزال نتغنى بذكرياتنا الوطنية، الحلوة منها والمرة، ولكن في ظل إخفاقات في كل شيء تقريباً، فهل تعرف أيها الكويتي أن ترتيبنا في مؤشرات التنمية تراجعت في الترتيب العالمي من 44 عشية الغزو العراقي عام 1990 إلى 51 مع ذكرى التحرير الحالية، وهل تعلم أننا كنا ضمن الخمسة الأوائل في العالم من حيث الثروة، في حين 90% من أرباب الأسر عندنا مدينون للبنوك والشركات؟ وهل تعلم أننا كنا نخصص ما لا يقل عن 7% من ميزانيتنا لكل من التعليم والصحة في حين حصة هذين المرفقين اليوم لا تتجاوز 2.7%؟ وهل تعلم عزيزي المواطن أن اليابان وألمانيا وسنغافورة بنت نفسها مدنياً واقتصادياً وسياسياً في أقل من عشرين سنة، في حين استغرق استاد جابر فقط عندنا 10 سنوات ومستشفى جابر 12 سنة وجامعة الشدادية 15 سنة؟

في المقابل زادت بعض المؤشرات بالتأكيد، فقد أصبحنا ضمن القائمة السوداء في الفلبين وإثيوبيا وتايلند، في حين منعنا عشر جنسيات من دخول البلد ولو بغرض الزيارة أو التجارة، كما ارتفعت مؤشرات الفساد، وقفز ترتيبنا عكسياً في أقل من عشر سنوات من 40 إلى 75 عالمياً، كما زادت لدينا القوانين المصادرة للحريات والخانقة حتى للتعبير عن الرأي، ونحن من نوادر الدول الدستورية التي تقلصت فيها الصحف، وأغلقت فيها القنوات الفضائية الخاصة، بل تفوقنا على جنوب إفريقيا العنصرية التي حبست مانديلا 27 سنة، حيث وصلت أحكام السجن للمغردين عندنا إلى 50 سنة.

أما الشيء الوحيد الذي لم يتغير فهو التركيبة السكانية، فقد كنا 30% كمواطنين في بلدنا قبل الغزو، وما زلنا ضمن هذه النسبة بعد مرور ثلاثين سنة، ولعل ذلك المصداق الوحيد لمقولة “الله ما غيّر علينا”!