أقلامهم

عندما تغرب شمس النفط

“إذا لم يبادر المنتجون (منتجو النفط) بالإصلاحات الاقتصادية فسيجابهون مشاكل بسرعة. كل ما عليهم هو أن ينظروا إلى فنزويلا ليشهدوا كيف أن تهاوي إيرادات النفط أجبر الدولة الأوتوقراطية على أن تنقض تعهداتها مع الناس، مما أدى إلى فوضى اقتصادية، وعدم استقرار اجتماعي وتوترات إقليمية”. تلك الفقرة كانت خاتمة مقال طويل نشر في “الإيكونومست” عدد 15 مارس، بعنوان “عندما تغرب الشمس عن النفط”. ربما وصف نظام حكم مادورو في فنزويلا بالنظام الأوتوقراطي، بمعنى هيمنة فرد أو أفراد قلة على مجمل القرارات في الدولة، من قبل المجلة، فيه بعض التجني على نهج الحكم هناك، لكن تحذيرات المجلة هي بالأساس موجهة لدول الخليج وروسيا، التي لم تعمل الكفاية لليوم الأسود القريب القادم لا محالة، حسب المجلة، فالنفط الصخري وزيادة بدائل النفط، مثل انتشار سيارات الكهرباء والطاقة الشمسية، كلها قربت من النهاية المؤكدة لعصر البحبوحة النفطية.

لنترك وضع روسيا، فهذه دولة نووية كبرى، وأيضاً فنزويلا التي لها وضع خاص تمثل في محاولة الرئيس الراحل شافيز تصحيح معادلة المساواة، ورفع الظلم الذي كان واقعاً على أغلبية السكان الفقراء لمصلحة القلة من الأصول الإسبانية المتحكمة في مفاصل الاقتصاد، فوقع في أخطاء، وزادها نقمة وغضب السيد الأميركي، همنا دولنا الخليجية وتحديداً وضعنا بالكويت، هنا ماذا صنعت الدولة بعد تعهداتها بالوثيقة الاقتصادية؟ وماذا أنجز منها على أرض الواقع غير الثرثرة الرسمية الإعلامية؟ بينما على أرض الواقع الدولة مازالت تراوح في المكان ذاته، يتغير وزير الاقتصاد ويأتي آخر، لكن الحال ذاتها لم تتغير، هناك عدم قدرة على “فهم” وخوف من مواجهة الواقع، فتنتهي الأمور بالتسويف، أي تأخر حسم الأمور بانتظار أن تحدث معجزة تنقذ الدولة وحكمها من القادم ومن سيناريو محزن.

ليس الموضوع مناقشة “الوثيقة” وماذا تم منها، القضية التي نكررها في تلك المقالات، وكأننا هنا نؤذن في مالطا، هي أنه يستحيل أن تباشر بإصلاح اقتصادي دون بتر الفساد في مؤسسات الدولة، هناك ومضات ضوء، مثلاً، في إحالة صفقة “المروحيات” لوزارة الدفاع إلى ديوان المحاسبة ومكافحة الفساد، أو قرارات وزير الداخلية الأخيرة بإحالة بعض موظفيها إلى النيابة، لكن تظل هذه أو تلك الإجراءات دون المطلوب. حتى الآن لم نجد مسؤولاً كبيراً يحاكم وينفذ ضده الحكم فعلاً، ولم نجد محاولة جدية لمكافحة جرائم الرشا التي انتشرت في معظم مؤسسات الدولة. في كثير من الأحيان يدفع الناس الرشوة ليس للحصول على ما هو ليس حقهم، بل يدفعون كي يتجنبوا الإهمال واللامبالاة من جهاز الدولة البيروقراطي لتخليص معاملاتهم، يدفعون في أحايين هذه الإتاوات للحصول على حقوقهم التي يعرقلها هذا أو ذاك الضابط الكبير أو المسؤول، بغرض الحصول على الإتاوة، التي تضيف دخلاً إضافياً له.

يعلم الكبار من الوزراء بحكايات الابتزاز والرشا أو استغلال الوظيفة والتربح منها، الممتدة بعرض البلاد وطولها، لأن أبطالها في النهاية وصلوا إلى مراكزهم لأنهم من المحسوبين على جماعة الحكم، لأنهم من الحاشية، ولأنهم مقربون جداً من أهل القرار السياسي، تلك القضايا لن تجدوا ذكرها في تقارير ديوان المحاسبة، فهو لا يقدر على كشفها، لكنها موجودة وترونها وتلمسونها لمس اليد، ولا أحد يفعل شيئاً معها، الناس تتذكرها وتعرفها وتعرف أبطالها الذين قفزوا إلى عالم الثراء الكبير مرة واحدة، تجد لديهم سيارات فارهة، قصوراً ضخمة في الخارج، لا أحد يجرؤ ويسألهم من أين لك هذا؟

لتكف السلطة عن ترديد كلام مثل: نلاحق مدير التأمينات السابق، وكأنها تذر الرماد في العيون، وكأنها انتهت تماماً من فضائح الفساد و”جابت الدب من ذيله”، هناك “بلاوي” كبيرة تدركها السلطة التي ستشكك الناس في مصداقيتها في محاربة الفساد والشروع في الإصلاح الاقتصادي. ليس المطلوب إلقاء محاضرات للناس عن إنجازاتكم، وكلها، في النهاية، حبر على ورق، و”تيش بريش”، قدموا قرابين حقيقية من رؤوس الفساد القريبين منكم كي يصدقكم الناس ويرتضوا بتضحيات الإصلاح المطلوبة منهم.