آراؤهم

الإسراء والمعراج.. منحة ربانية

تحتفل الأمة الإسلامية فى هذه الايام المباركة بذكرى الإسراء والمعراج وهى الذكرى التى تجدد لنا سنويا بعض المعانى العظيمة التى تميز الرسالة المحمدية الإنسانية وقيادتها الروحية للبشرية أجمع .. هى الرسالة التى أراد الله أن ينتزع بها البشر من خطاياهم إلى رحاب وأفق الإنسانية الواسع .

منذ أعلان النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن الله قد أرسل جبريل يكلفه برسالة دينية يبلغها إلى قبيلته قريش ومن ثم إلى البشرية جمعاء، وأن رسالته متمة وخاتمة للرسالات السماوية السابقة، وحسب التاريخ الإسلامي للفترة هذه والمصطلح على تسميته السيرة النبوية يعد حدث الإسراء الرحلة التي أرسل الله بها نبيه محمد على البراق]مع جبريل ليلاً من بلدهِ مكة -المسجد الحرام- إلى بيت المقدس في فلسطين، وهي رحلة استهجنت قبيلة قريش حدوثها لدرجة أن بعضهم صار يصفق ويصفر مستهزئاً، ولكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أصر على تأكيدها وأنه انتقل بعد ذلك من القدس في رحلة سماوية بصحبة جبريل على دابة تسمى البراق أو حسب التعبير الإسلامي عرج به إلى الملأ الأعلى عند سدرة المنتهى أي إلى أقصى مكان يمكن الوصول إليهِ في السماء وعاد بعد ذلك في نفس الليلة. قال الله تعالى في سورة الإسراء “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ “

الإسراء والمعراج ليست مجرد حدث عادى أراد الله به أن يخفف من معاناة نبيه بعد عشر سنوات من المعاناة والجحود بين قومه فى مكة وبعد فقدانه لأقرب الناس إليه عمه أبو طالب وزوجته الحنون الصديقة خديجة ، ولكن هى مرحلة فاصلة إرتقى فيها النبى من جفاء أهل الأرض وقسوتهم إلى إحتفاء الله به وتكريمه بأعلى مقامات العبودية لله ،فالمعراج كان عروج وإرتقاء فى المكانة وليس المكان ، فالله موجود معنا أينما كنا وحيثما نكون ،يريد الله بقوله تعالى « سبحان الذى أسرى بعبده» أن يبين لنا المعنى الحقيقى للعبودية له ، لم يقل برسوله ولكن بعبده .

كانت الإسراء والمعراج مكافأة السماء للنبى بعد كفاح وجهاد عشر سنوات وبعد رحلته للطائف والتى لقى فيها من سفهائهم الوجه المتجهم والرد الخبيث الذى يفتقد لمعانى المروءة والشهامة وكرم الضيافة بل وجعلوا أطفالهم وسفهائهم يلقونه بالحجارة حتى أدميت قدميه الشريفتين فلم يكن رده إلا بالدعاء لهم بالهداية وأن يخرج من أصلابهم من يوحد الله ، ما لقيه النبى ومعه أهله من بنو هاشم من حصار إقتصادى فى الشعب لثلاث سنوات حتى أكلوا أوراق الشجر يمثل قمة الإخلاص فى التفانى ودعوة الناس إلى المنهج الحق والصراط المستقيم وعموما ما لقيه النبى (ص) فى العشر سنوات الأولى من بعثته تضيق المقالات والمجلدات عن وصفه لذلك كانت هذه الرحلة العظيمة للتسرية عن النبى والتخفيف عنه بعد كل ما لقيه من جفاء وقسوة وألم وكأن الله يريد أن يعلمنا أن الجهاد الحقيقى فى الوصول لمرضاته هو جهاد النفس والصبر حتى ينعم علينا بنعمة اليقين ويرفعنا إليه فى مقامات العبودية والإنسانية وذلك هو الفوز العظيم .

لقد أراد الله برحلة الإسراء والمعراج أن يمتحن المؤمنين الموحدين فى زمن رسول الله وإلى يومنا هذا ، فأنكر منكرهم وسخر ساخرهم وآمن مؤمنهم وهذا أكبر رد على المجتهدون الجدد الذين أثبتوا الإسراء ولم يثبتوا المعراج تارة لأسباب شرعية بحجة عدم ذكرها صراحة فى القرآن ، وتارة لإستحالتها علميا وفيزيائيا ، فكما أراد الله أن يرفع بها مقامات المؤمنين ويرفع من همتهم وجهادهم فى سبيله كذلك أراد أن يفتن بها المتشككون وذلك من سنن الله التى تجرى فى خلقه وبينهم فى كل زمان ومكان وكل يسير على درب أسلافه .

إن أمتنا الإسلامية فى أشد الإحتياج لتلمس العبرة والعظة من هذه الذكرى الطيبة المباركة ، حتى يتحرر الأقصى من أيدى الصهاينة المعتدين ، يجب أن تعلم الأمة الإسلامية أن القيادة الروحية للعالم إنتقلت من بنى إسرائيل إلى أمة محمد (ص) ولكى نحقق هذه القيادة علينا أن نتحقق بمعانى ودروس الإسراء والمعراج .

قيل أن الحكمة في المعراج أن الله تعالى أراد أن يشرف بأنوار محمد صلى الله عليه وسلم السماوات كما شرف ببركاته الأرضين فسرى به إلى المعراج ، وسئل أبو العباس الدينوري : لم أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل أن يعرج به إلى السماء ؟ فقال : لأن الله تعالى كان يعلم أن كفار قريش كانوا يكذبونه فيما يخبرهم به من أخبار السماوات فأراد أن يخبرهم من الأرض التي قد بلغوها وعاينوها وعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيت المقدس قط فلما أخبرهم بأخبار بيت المقدس على ما هو عليه لم يمكنهم أن يكذبوه في أخبار السماء بعد أن صدقوا أخبار الأرض.