آراؤهم

سهرةٌ مع قارئ مشهور

نشأت في بيئةٍ زرعت فينا حُبَّ أهل القرآن ، وحب من ينتهج نهجه و منطلقاته وأوامره ، و كُنّا نرى القراء كالنجوم في السماء ، نهتدي بهم في مسيرنا في هذة الدنيا إلى الآخرة و الموعود المقدس عند الرب ، وقد رأينا في العقدين السابقين ظهور قراء شباب من الخليج و الكويت خصوصاً و منهم قارئ بلغت شهرته الآفاق ، و سارت بعذوبة صوته الركبان ، فكان الدمشقي والبصري والجزائري والمغربي ومن سكن الصين و ما جاورها والبلقان وبلاد الرومان و العرب قد مُلِأت قلوبهم حبَّ ذلك القارئ .. و حُقَّ له أن يُحبَّه الناس لانشغاله بالقرآن وتلاوته وترتيله ولم ينشغل عنه بغيره من الأمور . إلاّ أنني كُنت أرى الصالحين من مشايخنا عندما يسمعون كلمة ( قارئ القرآن ) يعتريهم شيء من الوجل والخوف ، فلمّا حدثت بعضهم بذلك إذ بهم يقولون : نخشى أن يصيبنا ما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام به عن علامات الساعة وأشراطها ومنها فشو القراء و كثرتهم و أكلهم بهذه التلاوات الباطل من القول والسُحت من حطام الدنيا ، و أيضاً ما أخبر نبينا عليه السلام عن موقف القارئ المرائي يوم القيامة عندما يرد عليه الربُّ بقوله : ” انما أردتَّ أن يُقال قارئ و قد قيل ” ..

فحُقَّ على كل من قرأ القرآن و دامت تلاوته ونظراته اليه أن يدعو الله بأن يثبته و يرزقه البصيرة في القول والعمل و أن يبعده عن فتنة الدنيا والمال و الشهوة و حظوة ذوي السلطان والقرب منهم .. فقد رأيتني وقد جاء صديق لي في ليلة من الليالي قبل سنوات وقال لي : ” هل لك بجلسة لم تظفر بمثيلها من قبل ؟؟ ” فقلت : مع من يا ترى ؟ قال : القارئ فلان .. ( قارئ مشهور ) فقلت : فلان .. مع أنني لم احرص يوماً على لقاءه ولكن لا بأس بالذهاب إن وعدتني يا قيس بشيء من لطائف الطعام وخصوصاً ونحن في تمام الساعة 12 ليلاً و الجوع قد غزاني ولم أذق من الطعام لقمة منذ ساعات طويلة .. فابتسم قيس وقال : تم . فذهبنا اليه و عندما دخلت شقته وجدت في قاعة الاستقبال وعلى جدران الصالة الكبيرة مالا يُعدّ ولا يحصى من الصور الكبيرة المعلقة على الجدران و على الطاولات تُحف زجاجية كثيرة تحمل صورته على كل هيئة ، تارة يحتضن الحصان و تارة ينظر الى السماء مع ابتسامة جميلة و تارة في بستان وتارة عند جدول ونهر جارٍ ، صور بأحجام كبيرة خُيّل لي انها كاتدرائية رومانية تحوي صوراً للقديسين و الحواريين ،مع أنه – أي القارئ المشهور – من بيئة سلفية بحتة ( قديماً ) وقد تربى على فتوى علماء تلك المدرسة بعدم جواز تعليق الصور لغير الحاجة و يعظم الإثم ( حسب فتوى تلك المدرسة ) عندما تكون الصور في بيان التعظيم وتعليقها بشكل مبالغ على الجدران ، فكان الأمر غريباً جداً .
استمر اللقاء اكثرمن ساعتين بعد منتصف الليل وقد تناولنا شيئا من الآيس كريم ، وعند سؤالي له عن حاله وأحواله وخصوصا عن قناته التلفزيونية الخاصة إذ به يفتح مواضيع تتعلق بالارباح والاموال ودقائق الاستثمار والبحث عن مصادر أخرى للربح وأخبرني أن الاصدارات القرآنية والأناشيد لم تعد مصدراً للربح بعد ظهور اليويتوب في مقابل انخفاض شديد بل كساد في مبيعات الاشرطة و الكاسيت ، فزاد في جرعة الكلام عن طرق التمويل و كيف تكون تكلفة الشريط الواحد وأن السبيل الأمثل للربح هو الاعلانات والاناشيد الخاصة لشركات الاتصال أو البنوك ، و عندها اعتراني شيء من الضيق والهم والضجر . أحسست بثقل تلك الجلسة التي لا ادري والله .. أحفتنا الملائكة..؟ أم شياطين الدينار والدرهم ؟!
خرجت منه وقلت لصاحبي : ” تالله .. لقد وضع صاحبك ( القارئ المشهور ) قدمه في وحل الدراهم وأخشى أن يأتيه من منبع من المنابع يفرض عليه خُلقاً جديداً ونهجاً مغايراً لمدرسته و تربيته و أرجو من الله أن يخرجه مما هو غارقٌ فيه حتى لا تذهب حلاوة القرآن من ثغره الجميل ويستبدل بذلك السيء من القول ، فيكون كالتي نكثت غزلها من بعد قوة … أنكاثاً ”

أنزلني عند سيارتي .. يا قيس .

@jassimaljezza84

6 تعليقات

أضغط هنا لإضافة تعليق