أقلامهم

ردا على النائب عمر الطبطبائي.. اللائحة الداخلية ليست المسؤولة عن اخفاقات المجلس ونوابه

ما زالت الهجمة على اللائحة الداخلية مستمرة، والمتابع لحركة الاقتراحات النيابية سيدرك أن هناك تحركات متسارعة من قبل أطراف نيابية للدفع بها في اللجان المختصة ومن ثم رفعها إلى قاعة عبد الله السالم لتمريرها كقانون، مصاحبة بضغط إعلامي شديد، على الرغم أن الحياة النيابية ليست في حاجة إلى تلك التعديلات.
آخر هذه المحاولات ما عبّر عنه النائب عمر الطبطبائي بحزمة من المقترحات تستهدف اللائحة الداخلية، والتي يعتقد وفقا لقوله، في لقائه التلفزيوني الأخير في قناة العدالة، أنها “عقيمة” و”أحد أسباب تخلفنا”، ويصرّ أيضا في تصريحات سابقة أن تعديل اللائحة هو معركته الكبرى!
في البداية علينا أن نقدِّر حماس النائب عمر الطبطبائي، وفي المقابل نعبّر عن أسفنا الشديد لما بدر منه في لقائه وهجومه الشديد على اللائحة الداخلية واعتبارها أنها سبب تقييد العمل النيابي.
الاتهامات التي توجه للائحة الداخلية بتقييد العمل البرلماني غير صحيحة على الإطلاق، فالدستور واللائحة كانا سبباً في أن تكون التجربة البرلمانية في الكويت محط أنظار العالم أجمع، وبفضلهما أنجزت مجالس، في ما مضى، مجموعة من القوانين حققت للكويت نقلات حضارية في طريق مأسسة الدولة، ومن هذه المجالس خرجت رموز وشخصيات نيابية كان لها إثراؤها في الحياة الاجتماعية والديمقراطية والسياسية والبرلمانية الكويتية.
ومن منطلق عملي المهني(ضمن أسرة تحرير الطليعة) مع شخصيات نيابية وطنية من أمثال: د.أحمد الخطيب وعبدالله النيباري وأحمد النفيسي، وخاصة مع النائب المرحوم سامي المنيس في الجوانب التشريعية والرقابية، فإن اللائحة الداخلية لم تكن عائقاً أمام من أراد أن يمارس عمله النيابي على أكمل وجه. ولم أسمع منهم أي مساس باللائحة الداخلية وطريقة تنظيمها لأعمال المجلس، ولم أسمع منهم عن أي تصنيف لنواب: حكومي أو معارض أو غيره، وكذلك لم يسيء أحد منهم لأي من زملائهم من النواب أو الحكومة.
عن نفسي شعرت بالحزن وأنا استمع إلى اللقاء، وأسفت على ما آلت اليه الأمور، وما أقوله حاليا ليس انتقادا للنائب الذي نكن له كل الاحترام، ولكن بمثابة تفنيد لحديثه وتأكيد أن اللائحة الداخلية عالجت كل ما تحدث عنه وهي بريئة من كل الاتهامات التي تظهر بين الحين والآخر.
الطبطبائي في لقائه التلفزيوني عدّد اتهاماته للائحة الداخلية، وقال أنه قدم حزمة من التعديلات عليها في صيغة اقتراح بقانون، وبدأ أسباب اعتقاده، أن اللائحة الداخلية هي العائق لعمل النائب: عُمر دور الانعقاد الذي يقل عن عشرة شهور، ثم فقدان نصاب اجتماعات اللجان، فمناقشة الاستجوابات في الجلسات العادية بعد إدراجها على جدول الأعمال واقتراحه أن تعقد بيوم الخميس الذي يلي الجلسة العادية جلسة خاصة لمناقشة الاستجواب.
والقارئ المتفهم للائحة الداخلية يدرك تماما أن الدستور ومن بعده اللائحة الداخلية عالجت كل ملاحظات النائب، بل على العكس حثّ الدستور على ضرورة تفعيلها، فقد نصت المادة 85 من الدستور على أن “لمجلس الأمة دور انعقاد سنوي لا يقل عن ثمانية أشهر، ولا يجوز فضّ هذا الدور قبل اعتماد الميزانية”.
جملة لا يقل التي وردت بنص المادة تعني إمكانية استمرار دور الانعقاد الواحد لأكثر من عشرة شهور(وهي الفترة التي اقترحها النائب)، بمعنى أن المجلس يمكنه عقد دور الانعقاد لمدة سنة إلا أياماً قليلة ويستمر في دستوريته، لكن المجالس الأخيرة دأبت على لململة أوراق دور الانعقاد في شهر مايو ومناقشة الميزانيات في شهر يونيو بهدف أخذ عطلة نيابية طويلة ابتداءاً من مطلع شهر يوليو. المشكلة تكمن في توجه مكتب المجلس كل عام لفضّ دور الانعقاد عقب مناقشة الميزانيات وعدم الإستفادة من النص الدستوري الذي يسمح بمدِّه لشهرين أو أكثر بعد التصويت على الميزانيات .
وفيما يتعلق بقضية فقدان نصاب اللجان الذي تحدّث عنها النائب كثيرا، فاللائحة الداخلية أيضا عالجت هذا الأمر، فالفقرة الثانية من المادة 25 أشارت إلى أنه (وإذا تغيب العضو عن حضور اجتماع أي لجنة من لجان المجلس، سواءً كان تغيبه باعتذار سابق أو بدونه، ينشر أمر غيابه في الجريدة الرسمية، وذلك عقب الموعد المحدد للاجتماع، وإذا تكرر غيابه عن اجتماعات اللجنة بغير عذر ثلاث مرات متوالية أو خمس مرات غير متوالية في ذات دور الانعقاد، ينشر أمر غيابه على نفقته في جريدتين يوميتين، وتُقطع عنه مخصصات العضوية عن المدة التي تغيّبها، كما يجوز للجنة بأغلبية الأعضاء الذين تتألف منهم اعتباره مستقيلاً من عضويتها ويحاط المجلس علما بذلك في أول جلسة تالية لاختيار عضو آخر).
مشكلة فقدان النصاب لا تكمن في قصور ناتج عن اللائحة الداخلية، ولكنها تعود إلى ثقافة النائب التشريعية وعدم دراسة الأمر بشكل متكامل من قبل مكتب المجلس، ووضع إجراءات تساهم في القضاء على هذه المشكلة. هذا بالإضافة إلى الدفع بنواب في عضوية اللجان معروف عنهم عدم قدرتهم على القيام بالدور المطلوب منهم أو حتى قدرتهم على إدارة اللجنة عندما يترأسونها.
المادة 46 من اللائحة الداخلية فنّدت ما ذهب إليه النائب عمر الطبطبائي بقوله أن تعديلاته المقدمة على اللائحة الداخلية تستهدف اجتماع اللجنة على الأقل مرة واحدة أسبوعيا. فاللائحة الداخلية لم تمنع عقد اللجنة اجتماع كل أسبوع، بل العكس تماما أتاحت لأعضاء اللجنة عقد أكثر من اجتماع بشكل أسبوعي، فقد أشارت المادة 46 “وتجتمع اللجان كل شهر مرتين على الأقل”، والدليل ما قاله الطبطبائي في نفس اللقاء أن نجاح لجنة حماية الأموال العامة في إنجاز التقارير يعود إلى عقدها عندما كان عضوا فيها أكثر من اجتماع خلال الأسبوع الواحد.
النائب في اللقاء ذاته يقول أن الاقتراح يظل في اللجنة التشريعية، “إما ماكو نصاب وإما الحكومة ما تبيها وتنسق مع بعض النواب، الحكومة هي من تشرّع وهي من تنفّذ، وهذه كارثة”. لو صحّ ما قاله النائب فالخلل ليس بالحكومة ولا باللائحة الداخلية، الخلل يكمن في تفريط النائب في حقه الدستوري لصالح الحكومة.
النقطة الأخيرة التي ذكرها الطبطبائي تتمثل في مناقشة الاستجواب في الجلسات العادية والذي بطبعه يعطّل الجدول ويشل البلد وفقا لقوله، وتأكيده أيضا أن أداة الاستجواب استهلكت وتستغل لمصالح معينة، مضيفا أن كل استجواب بثمن(وعلى الرغم من تقديمه استجواب لوزير النفط).
وبالعودة إلى نصوص اللائحة نجد أنها أيضا لم تمانع من مناقشة الاستجواب في جلسات خاصة بموافقة المجلس عندما يدرج على جدول أعمال الجلسة العادية، أو يتم تخصيص جلسة خاصة لاستكمال جدول الأعمال بعد مناقشة الاستجواب، كما حدث في المجالس السابقة التي دأبت على تخصيص جلسات أيام الخميس للانتهاء من بنود جداول الأعمال وتقارير اللجان بهدف استكمال القضايا المطروحة. ومضابط الجلسات لم تُشر إلى تقديم النائب عمر الطبطبائي هذا النوع من الطلبات، التي تمكّن المجلس من استكمال جدول الأعمال في جلسات خاصة أو مناقشة الاستجوابات في جلسات خاصة بعد موافقة المجلس بعيداً عن المساس بجدول الأعمال أو حتى تكثيف الجلسات وعقد أكثر من جلسة في الأسبوع الواحد .
الطبطبائي ناقض كلامه عندما أعلن أنه وأثناء عضويته بلجنة حماية الأموال العامة خلال دور الانعقاد الماضي قد نجح مع أعضاء اللجنة في الانتهاء من 17 تقريراً من أصل 21 قضية، قبل أن يضيف أنه نجح مع بعض زملاء له في تمرير مقترحات قدمها ومنها: قانون تعارض المصالح والتعديل على قانون العمل الأهلي والخاص بمكافاة نهاية الخدمة وقوانين أخرى، وكان عليه أن يؤكد أن ما ساعده في إنجاز هذه التقارير في اللجنة احترام النواب للائحة الداخلية وعدم تغيبهم، وكذلك الأمر في القوانين التي قال النائب أنه نجح في إقرارها .
أن أي تعديل يستهدف اللائحة ويهدف إلى تسريع مناقشة المقترحات دون المرور باللجنة التشريعية سيأتي بنتائج عكسية، فنصوص اللائحة الداخلية المتعلقة بتقديم المقترح ومناقشته وإحالته من اللجنة التشريعية إلى اللجان المختصة هدفها التأني في مناقشة المقترحات ودراستها بشكل دستوري وقانوني وليس سلقها لأهداف سياسية أو شخصية، والدليل ما حدث من رفض اللجنة التشريعية مقترح النائب عمر الطبطبائي الأخير الذي غلّظ عقوبة السب والقذف ورفع عقوبتها إلى الحبس سنتين وغرامة تصل إلى عشرين ألف دينار.
اللائحة الداخلية وعلى مدار 15 فصلاً تشريعياً أثبتت أنها قادرة على معالجة الاختلالات التي تطرأ على العمل التشريعي، وأن أي عبث بها للصالح الشخصي أو لصالح تنظيم كما حدث مع استحداث لجنة الأولويات في المجلس السابق يضر بالمنظومة التشريعية ويسيء إلى الأوائل واضعي الدستور ومن صاغوا اللائحة، العيب لا يكمن في اللائحة بقدر عدم فهم أغلب النواب لطبيعة عملهم وقلة ثقافتهم التشريعية وتسييسهم للأمور بما فيها حضور اللجان، ومحاولة البحث عن كبش فداء كي يواجهوا به قواعدهم الإنتخابية.
النقطة الأهم في قضية اللائحة الداخلية عدم اكتراث المعنيين بالأمر عن الاتهامات التي توجه للائحة الداخلية، فمنذ شهور ونحن نسمع عن هذه الاتهامات ونشاهد التحركات لإجراء تعديلات عليها في ظل صمت المختصين والأمانة العامة بهيئتها الإستشارية، ومن قبلهم مكتب المجلس ورئاسته.