منوعات

شراب “الحلو مر”.. سيد المائدة الرمضانية السودانية

تحولت مصادفة تسرب مياه الامطار الى جوال ذرة في ستينيات القرن قبل الماضي في السودان الى اختراع شراب (الحلو مر) المشروب الاساسي وسيد المائدة الرمضانية السودانية.
ويمتاز شراب (الحلو مر) او (الابري الأبيض) بخصائصه التي تروي الظمأ وتمنح الجسم الطاقة لتعويض ساعات الصيام في طقس السودان الحار.
ووفقا لحكاية شعبية فان امرأة من مدينة بربر شمال السودان اكتشفت تسرب الأمطار الى جوال ذرة تخزنه لتجد ان الذرة بدأت في النمو فقامت بطحنها و(عواستها) لتجد ان طعمها حلو فبدأت تضيف عليها بعض التوابل الى ان توصلت لخلطة جعلت الطعم يجمع بين الحلاوة والمرارة ليكتسب المشروب اسمه من مذاقه.
ويصنع (الحلو مر) من الذرة النابتة خاصة من نوع (الفتريتة) وهي نوع من الذرة الرفيعة تعطي اللون الأحمر عند طحنها ويبدأ اعداد المشروب قبل شهر او شهرين من حلول رمضان.
وللتعرف اكثر على شراب (الحلو مر) التقت وكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم الجمعة بخبيرة التغذية نجاة حسن التي قالت ان عملية صناعة (الحلو مر) معقدة جدا تبدأ ب(تزريع) الذرة وذلك بوضعها على الخيش ورشها بالماء لأيام حتى تنبت ومن ثم تجفيفها وطحنها وتخميرها مع عدد من البهارات منها الشمار والكزبرة والزنجبيل والقرفة والحبهان والغرنجال والكمون حسب الرغبة.
واضافت انه بعد ان يتم الانتهاء من عملية العجن والتي تعرف محليا ب(الكوجين) تبدأ عملية (عواسة العجين) على صاج صناعة (الكسرة) باستخدام نار قوية لانضاجها في شكل رقائق تطبق بهيئة مربعات من عدة طبقات تسمى (طرقات) ثم تجفف وتحفظ الى حين استخدامها الذي يتم عبر نقع الطرقات في الماء منتصف النهار ثم تصفية النقيع قبل الافطار بقليل وتحليته بالسكر ليشرب باردا.
واوضحت حسن ان شراب (الحلو مر) مصدر مهم للطاقة خاصة في حالة الصيام لجمعه بين النشويات والسكريات.
وبدوره قال استاذ العلوم في جامعة الخرطوم الدكتور محمد عبدالله الريح في حديث مماثل ل(كونا) ان الغذاء في اي مجتمع يرتبط بحاجة المجتمعات وامكانياتها المادية وثقافتها لافتا الى ان (الحلو مر) يعكس جانبا من حضارات السودان القديم التي تعتبر من اوائل الحضارات التي أنتجت الغذاء المجفف.
وبين ان صناعة (الحلو مر) تتعلق بالاستفادة من خصائص مرحلة الانبات لحظة التحول لسكريات ليتم تجفيفه على تلك الوضعية وطحنه قبل اكتمال نموه مشيرا الى ان عملية العجن تشهد اضافات الكركديه والعديد من البهارات والاعشاب مثل الزنجبيل والقرنجال والحرجل كنكهات ومواد حافظة طبيعية لفترات زمنية غير محدودة فيما تساهم عملية تشكيله النهائي في شكل مطبقات -الأكثر شيوعا- او لفائف او حتى كحبيبات في سهولة التنقل خاصة في ظل الامكانيات البسيطة في العصور القديمة.
واعتمد السودانيون القدماء على الاغذية المجففة وعلى رأسها (الحلو مر) لقطع المسافات البعيدة في رحلاتهم التجارية او للحج الى مكة.