آراؤهم

المطلوب هو تغيير النمط الاقتصادي!

لن نتطور اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ما لم نقم بتغيير النمط الاقتصادي الريعي الذي تتحكم فيه الحكومة بكل شيء كما هو حالنا حيث تنفق على كل شيء أو تكاد. انهارت الدول ذات الاقتصاد الريعي كالاتحاد السوفييتي وكثيرا منها تحولت تدريجيا إلى اقتصاديات حرة كالصين ونجحت وتصدرت دول العالم باقتصاد هو الأكثر نموا.

لسنا كالصين إنما التحول من اقتصاد يعتمد على الاستهلاك إلى اقتصاد منتج ومستدام يتناسب معنا وإمكانياتنا هو الهدف الملح الذي نحن بحاجة إليه. في دول العالم التي سبقتنا اقتصاديا وتطورا في شتى مجالات الحياة تأتي المبادرات من القطاع الخاص والأفراد لا من الحكومات التي من شأنها أن تقود عملية التطور والانتاجية، وهذا من شأنه أن يطور العمل السياسي وآليات اتخاذ القرار وكفاءة المؤسسات والتعليم والسلوك الاجتماعي ودور مؤسسات المجتمع المدني ودور المواطن الذي يصبح شريكا حقيقيا في هذه العملية، وسيخلق اقتصادا قابلا للنمو وتنمية مستدامة وفرصا جديدة للمبادرات والمشاريع والوظائف، بل سيخلق اقتصادا يتخطى الحدود ويزيد من قدرتنا التنافسية وجذب رؤوس الأموال ويقلل الفجوة بيننا وبين دول محيطنا والعالم ويعزز من استقرارنا السياسي والاجتماعي وأمننا الاستراتيجي.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا جنينا بعد عقود طويلة من جعل الحكومة تتملك كل شيء تقريبا؟! الجواب هو ما نعاني منه اليوم من هدر مالي وفساد مستشري وعادات استهلاكية لا يجني منها الاقتصاد تطورا وفائدة حقيقية، وخلق طبقة من المتنفذين من أصحاب مناصب وتجار وأعضاء برلمان وكتل سياسية ووصوليين لا هم لهم سوى المنفعة الذاتية على حساب الوطن والمصلحة العامة، وتأخيرا للمشاريع الاستراتيجية والحيوية بسبب الصراعات السياسية. تغيير النمط أو إعادة جذرية لهيكلة الاقتصاد الوطني ليس بالأمر المستحيل بل نحن نملك كل الإمكانيات التي تمكننا من تحقيقه إن كانت بشرية أو مالية علاوة على صغر حجم اقتصادنا والتعداد السكاني، الأمر الذي سيسهل من عملية التحول وكلفته، علما بأن التكلفة تزيد مع كل تأخير وستكون باهظة الثمن في المستقبل ولن يكون لدينا ما يكفي من فوائض مالية إن لم نبدأ من اليوم.

إن عملية التحول بالضرورة تتطلب أسسا هامة وجوهرية لضمان نجاحها وهي إعادة النظر في حجم التملك الحكومي في الاقتصاد الوطني وجعله في حدوده الدنيا ما أمكن، مكافحة الفساد بلا هوادة، مكافحة الهدر المالي بكل أشكاله، تكافؤ الفرص، محاربة الاحتكار، حماية المنافسة وتشجيعها، دعم المبادرات، سيادة القانون، الثواب والعقاب، تفعيل دور المؤسسات ورفع كفاءتها. من شأن ذلك أن يعطي القطاع الخاص الدور التنموي المنشود ويقوم بتحويل المجتمع من الاستهلاك إلى الإنتاج، وتكون الحكومة هي المخطط والمشرف والضامن لمسيرة البناء. كما ستجعل المجتمع منشغلا في الانتاج والعمل والتعليم وتطوير الذات والتنافس الشريف، وسترغمها تلك العملية على اختيار الكفاءات وأفضل العناصر لتحقيق الأهداف لا أسوأها وأكثرها فسادا وإفسادا، وسنرى ظواهر سلبية تنخر في مجتمعنا تنحسر كالتطرف والعنصرية والقبلية والعائلية والتزمت والتزوير والرشوة، لأن المجتمع أصبح منشغلا بالإنتاج والبناء. السؤال الهام هو هل نحن مستعدون لذلك التغيير والتطور وتحويل اقتصادنا من ريعي إلى منتج أم تكيفنا مع أوضاع فاسدة ستجرنا إلى مزيد من التردي والتخلف؟! وهل نريد فعلا أن نبني وطنا مختلفا أم نهاية وطن في عام 2035؟!! التغيير يبدأ الآن وكفانا إضاعة للفرص والوقت والشكوى دون طائل!!