منوعات

“أثرياء العرب” أحد أسباب زيادة سرقة الطيور الجارحة في الغرب

بعد ليلة عاصفة كتلك التي اعتادها سكان جزيرة “لويس” الاسكتلندية، توجه “دونالد ماكلويد” بحذر لتفقد طيوره كما يفعل في كل صباح. لكن مع اقترابه من قفص الطيور في نهاية حديقته، كان من الواضح أن شيئاً ما لم يكن على ما يرام.

ويروي ماكلويد ما رآه في هذه اللحظات بالقول: “كان سقف القفص منزوعاً من مكانه، ويرفرف مع الريح.. وكان ذكر طائر البوم الصغير الخاص بي، والذي يحمل اسم ‘سكامب’ وينتمي لنوع البوم الأبيض، مفقوداً. شخصٌ ما اقتحم المكان، وسرقه أو فر الطائر منه وهو يحاول سرقته”.

ثمانون صقرا في رحلة جوية متجهة إلى جدة الشرطة الهولندية تستعين بالنسور لإسقاط الطائرات بدون طيار

كان هذا الرجل، وهو صيادٌ مدربٌ يستخدم الصقور في عمليات الصيد، يستعين بهذا الطائر الذي كان يبلغ من العمر خمس سنوات، لتسلية الأطفال الذين يأتون للإقامة في نُزُلٍ يديره وزوجته في الجزيرة الاسكتلندية، ويقدم خدمة البيات والإفطار لقاطنيه.

اللافت أن الحادث الذي وقع لهذا الرجل ليس بالأمر المعتاد للعديد من الأسباب. فرغم أن النُزُل الذي يديره يقع في منطقة خلابة، فإنها نائيةٌ بشدة وتقبع على السواحل التي تعصف بها الرياح للجزيرة. كما أن هذا المكان لا يمثل بقعة تستشري فيها الجرائم. فضلاً عن ذلك، فمن غير الشائع وجود لصوص متخصصين في سرقة طيورٍ جارحة، والبوم منها تحديداً.

رغم ذلك يقول العاملون في مجال الصيد باستخدام الصقور إن هذا النوع من الجرائم صار يحدث بشكل متكرر وعلى فتراتٍ قصيرة. وتتصاعد الشكوك في أن ذلك يحدث لسبب واحد، ألا وهو الانتفاع بطيور البوم وبيعها في ظل تراجع فرص سرقة المبالغ النقدية.

فالأرقام تفيد بأنه من المتوقع أن يصل عدد المعاملات، التي لا تُستخدم فيها الأموال السائلة على مستوى العالم بحلول نهاية العقد الحالي، إلى نحو 726 مليون معاملة، بزيادة نسبتها 10.9 في المئة عما كان الحال عليه عام 2015. رغم ذلك، هناك دولٌ تُسَرّع من وتيرة الانتقال إلى عمليات الدفع الإلكتروني أكثر من غيرها.

ففي المملكة المتحدة، تراجعت المعاملات التي تجري باستخدام المبالغ النقدية بنسبة 15 في المئة خلال عام 2017 مُقارنةً بالعام السابق لذلك مباشرةً، ليصل عددها إلى 13.1 معاملة، بينما زادت عمليات الدفع باستخدام بطاقات الائتمان. وفي اليابان، بلغت نسبة تراجع المدفوعات باستخدام المال السائل 8.5 في المئة في 2017، وزادت عمليات الدفع باستخدام الهواتف النقالة بنسبة الخُمس تقريباً في الصين خلال ربعٍ واحدٍ من عام 2016.

وتزامن تزايد الإقبال على سداد الأموال باستخدام بطاقات الائتمان الذكية التي تعمل عن بعد، ومن خلال الهواتف المحمولة وكذلك عبر شبكة الإنترنت، مع تقلص المبالغ النقدية التي يحملها الناس في جيوبهم ويُبقيها تجار التجزئة في متاجرهم، وهو ما يمثل مشكلةً بالنسبة للمجرمين واللصوص، إذ يعد المال السائل الخيار الأفضل لهم، فمن اليسير حمله ومن العسير اقتفاء أثره، فضلا عن إمكانية التخلص منه بسرعة.

وفي ضوء العزوف المتزايد من جانب البشر في مختلف أنحاء العالم عن استخدام المال السائل، بات يتعين على اللصوص العثور على بدائل تساعدهم على تحقيق أرباحٍ سريعة وغير مشروعة أيضاً. وفي السطور المقبلة، سنلقي نظرةً على بعضٍ من الأشياء، التي يضعها المجرمون نصب أعينهم في هذا الصدد، رغم أن ذلك يبدو من غير المعتاد والغريب إلى حدٍ بعيد.

الطيور الجارحة

لنبدأ بالسويد التي لم تُستخدم فيها المبالغ النقدية سوى في اثنين في المئة من إجمالي المعاملات والمدفوعات التي شهدتها العام الماضي، ويقول 20 في المئة من مواطنيها إنهم لم يسحبوا أموالاً قط من آلة صرفٍ آليٍ، ففي هذا البلد يمكن أن يجد المرء المؤشرات الأقوى من نوعها، على أن شيئاً ما في طور التغير على صعيد طباع المجرمين واللصوص.

فبينما كان عدد جرائم السطو على المصارف، يصل إلى نحو مئةٍ جريمة سنوياً خلال عقد التسعينيات، تراجع هذا العدد قبل أربع سنوات ليصبح 30 فحسب، قبل أن يهوي مرة أخرى العام الماضي إلى 11 جريمة فحسب. كما أن هناك تراجعاً مماثلاً في عدد عمليات السطو على السيارات المصفحة التي تُنقل فيها الأموال والمقتنيات الثمينة.

بالتوازي مع ذلك، تشهد السويد زيادةً مطردةً في عدد الجرائم التي تستهدف الكائنات الحية التي تحظى بالحماية من الانقراض، إذ وصل هذا العدد إلى 156 جريمة في 2016، وهو المستوى الأعلى له على الإطلاق خلال نحو عقد من الزمان، قبل أن ينخفض من جديد بشكل طفيف العام الماضي. ويقول مسؤولو أجهزة إنفاذ القانون في هذا البلد إن من بين أكثر الجرائم شيوعاً في هذا الصدد، تلك التي تستهدف سرقة بيض الأنواع النادرة من طيور البوم، وكذلك السطو على زهور الأوركيد النادرة.

وتُباع المسروقات من هذا النوع بعد ذلك في السوق السوداء، وتُهرّبْ إلى بقاع أخرى في أنحاء مختلفة من العالم، لتصل إلى دولٍ مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، إذ يشكل اقتناء طائر جارح فيها رمزاً للتمتع بمكانة راقية سواءٌ من حيث الثروة أو الوضع الاجتماعي.

ويقول فيليبو باسيني رئيس الوحدة المكلفة بالتعامل مع وقائع التعدي على الكائنات الحية الخاضعة للحماية في الشرطة السويدية، إن سعر الطائر الواحد من نوع “البومة الرمادية العظمى” يمكن أن يصل – وهو في طور البلوغ – إلى ما يفوق 112 ألف دولار، مُشيراً إلى أن تلك الطيور غالباً ما تُباع عبر ما يُعرف بـ”الشبكة المظلمة”، وهي شبكةٌ خاصةٌ يتواصل من خلالها أشخاصٌ يثقون في بعضهم البعض. ويتم هذا التواصل عبر ميثاق اتصالات ومنافذ غير قياسية، ولا يتم في إطاره الكشف عن عنوان بروتوكول الإنترنت “آي بي”.

وتشهد دولٌ أخرى غير السويد، تزايداً بدورها في عدد الجرائم التي تستهدف الكائنات الحية المُهددة أو تلك الخاضعة للحماية. ففي المملكة المتحدة، التي لا يُستخدم النقد السائل سوى في 40 في المئة من إجمالي عمليات الدفع التي تجري فيها، ثمة تصاعدٌ في عمليات سرقة الطيور الجارحة.

وبينما قد يبلغ سعر طائر بوم من نوع شائع نسبياً مثل “سكامب” مئة جنيه إسترليني ليس أكثر (ما يزيد قليلاً عن 131 دولاراً أمريكياً) في ما يُعرف بـ”السوق المفتوحة”، فإن قيمة طيور نادرة مثل إناث صقور الشاهين قد لا تقل عن 4000 جنيه إسترليني (نحو 5260 دولارا) للطائر الواحد منها. أما الصقور المنتمية لنوع “صقر الغزال” – أو “الصقر الشروقي” – والتي توجد عادةً في سيبيريا، فقد يصل سعر الواحد منها في السوق السوداء إلى 75 ألف دولار.

وقد أدى الطلب على الطيور الجارحة من جانب الزبائن في منطقة الشرق الأوسط، إلى رفع أسعارها خلال السنوات القليلة الماضية، ما جعل الإتجار فيها مربحاً للغاية. ومن المسموح تصدير الطيور التي تخرج إلى الوجود في الأسْر وتُربى هناك (وغالباً ما تتم عملية التصدير هذه على متن رحلات طيران خاصة) لكن شريطة أن يكون بوسع مُربيها إثبات أنه لم يأخذها من البرّية بشكلٍ غير مشروع. رغم ذلك، يبدو أن رقعة التجارة غير المشروعة في تلك الطيور آخذةٌ في الاتساع.

ثعبان السمك الزجاجي

ولا يقتصر الأمر على الطيور الجارحة وحدها، فـ”ثعابين السمك الزجاجية”، وهي النوع الصغير من ثعابين السمك الأوروبية المُهددة بشدة بالانقراض، تُباع في السوق السوداء مقابل ما يقارب مليوناً ومئة ألف دولار تقريباً للطن الواحد. وتُعتبر هذه الأسماك صغيرة الحجم من الأطعمة الشهية، وتُؤكل مشوية في الصين.

وتفيد التقديرات بأن قرابة مئة طنٍ من هذا النوع من الأسماك هُرِّبت خلال هذا العام وحده، من دول الاتحاد الأوروبي إلى الصين. وفي الوقت الراهن، يُعتبر الإتجار في ذلك النوع مربحاً بقدرٍ لا يختلف كثيراً ما يدره تهريب الكوكايين من أموال، إلى حد أن عصابةً واحدةً خضعت لتحقيقاتٍ من جانب الشرطة مؤخراً، جنت قرابة 330 مليون دولار من نشاطها في هذا المجال، خلال خمس سنواتٍ فحسب.

ويقول “آلان روبرتس” الضابط في شعبة التحقيقات في الوحدة المختصة بالتعامل مع الجرائم التي تستهدف الحياة البرية في الشرطة البريطانية، إن طبيعة عمليات الإتجار في الكائنات التي تعيش في البرّية “تغير تماماً خلال السنوات العشر الماضية. اللصوص الذين يشكلون جزءاً من عصابات الجريمة المنظمة يبحثون عن المجالات التي تُدِر ربحاً”.

ورغم أن من العسير الربط بشكلٍ مباشر بين الزيادة التي تُرصد في عدد هذا النوع من الجرائم وقلة السيولة النقدية في المعاملات والمدفوعات، فإن هذه العلاقة مؤكدةٌ في نظر أُناسٍ مثل بيورن إيريكسون، وهو رئيسٌ سابقٌ لمنظمة الشرطة الجنائية الدولية “الإنتربول”، وأصبح الآن من النشطاء في مجال الدعوة للعودة إلى استخدام المبالغ النقدية وليس طرق الدفع الإلكترونية.

ويقول إيريكسون: “إذا لم يكن لديك أموالٌ سائلةٌ، فسيسرق المجرمون شيئاً آخر. هناك الكثيرون ممن يدعون أن الجريمة ستتلاشى في الواقع، لأنه سيكون هناك عددٌ أقل من عمليات السطو. ربما يَصْدُقُ ذلك إذا ما كنا نتحدث عن المصارف”.

ويرى إيريكسون أن المجرمين في هذه الحالة سينتقلون إلى مجالات أخرى، قائلاً إنه “من الواضح أن تزييف الهوية سيصبح مشكلةً كبيرةً.. وبوسعنا أن نتوقع رؤية أنواعٍ مُنظمة أخرى من السرقة للاستعاضة عن قلة النقود”.

سرقة السلع الكمالية

لكن الإتجار في كائناتٍ مثل الطيور والأسماك النادرة أو المحمية ليس بالأمر الهين، فهي تحتاج إلى أن يتم تغذيتها والاحتفاظ بها في ظروفٍ مُهيأة لذلك ومُتحكمٍ فيها بحرصٍ وعناية. كما أن نقلها يحتاج إلى الاستعانة بخبراء ومتخصصين.

ولذا فاللصوص يولون اهتمامهم بدلاً من ذلك إلى مجموعة من السلع مرتفعة القيمة التي نستخدمها يومياً، والتي ربما يمثل سعيهم لسرقتها أمراً مفاجئاً بالنسبة لنا. وفي هذا السياق، يمكننا الاستشهاد بنتائج تقريرٍ أعده مؤخراً “الاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة” – وهو كيانٌ يجمع أصحاب متاجر التجزئة في الولايات المتحدة – حول الجريمة المنظمة.

فقد كشف التقرير عن أن أكثر السلع التي تُسرق خلال عمليات السطو على المتاجر، هي مزيجٌ ما بين السلع الكمالية والمنتجات التي نستخدمها بشكلٍ يومي. ومن بين ما تتضمنه قائمة السلع العشرة الأكثر تعرضاً لهذا الخطر؛ سراويل الجينز من قماش الدنيم الأزرق، وحقائب اليد غالية الثمن التي تُصَنّعها علاماتٌ تجاريةٌ شهيرةٌ، وكذلك شفرات الحلاقة والحليب الصناعي المخصص للرضع، والمنظفات التي تستخدم في غسيل الملابس، ولصقات تبييض الأسنان.

ويقول بوب موراكا، نائب رئيس القسم المكلف بالوقاية من الخسائر في “الاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة”: “نشهد بالقطع انخفاضاً في كمية السيولة النقدية المُستخدمة في المتاجر”. ويشير في هذا الشأن إلى بياناتٍ تفيد بأن 40 في المئة من عمليات الدفع التي جرت في عام 2015، تمت باستخدام أموالٍ سائلة، بينما تمت 42 في المئة منها عبر بطاقات الائتمان. أما في 2016، فقد أصبح نصيب المبالغ النقدية – بحسب البيانات ذاتها – 23 في المئة فقط من هذه العمليات، وارتفعت حصة بطاقات الائتمان لتبلغ 48 في المئة.

ويضيف موراكا: “بجانب ذلك، نرى نزعةً لدى المجرمين، الذين يعملون في إطار عصاباتٍ منظمة – باتجاه سرقة منتجات ذات قيمة أعلى، ومن ثم يحولونها إلى سيولة نقدية” بعد بيعها.

وهكذا فبدلاً من التوجه مباشرةً إلى مكان درج النقود في المتجر والذي يحتوي على حصيلة عمليات البيع الجارية في المكان، يقصد اللصوص المنتجات المعروضة نفسها. وتكتسي أجهزة الهاتف المحمول غالية الثمن، مثل الطراز الجديد من هاتف “آي فون” – والمعروف باسم “آي فون إكس” – بجاذبيةٍ خاصةٍ، إذ يمكن تصديرها بسرعةٍ إلى الخارج، لتصل إلى دول مثل المكسيك، حيث يوجد طلبٌ عليها من جانب المنتمين لعصابات المخدرات.

لكن منتجات أخرى أقل شأناً، مثل شفرات الحلاقة ولصقات تبييض الأسنان، يمكن أن تشكل مطمعاً للصوص، في ضوء أن سعر العلبة من تلك المنتجات سالفة الذكر قد يصل إلى 40 دولاراً. وبطبيعة الحال، يمكن الوصول إلى مثل هذه السلع وسرقتها بشكلٍ أيسر كثيراً من الأموال المُقفل عليها في درج الخزينة الخاصة بالمتجر، ما يقلل الوقت الذي يحتاجه اللصوص لإتمام جريمتهم.

ويعود موراكا للقول: “هذه الأشياء خفيفة الوزن للغاية ومن اليسير حملها. إفراغ أحد الرفوف في صيدليةٍ ما مما عليه من منتجات، يمكن أن يمنح اللص بضع مئات من الدولارات. ما يفعلونه هو سرقة هذه الأشياء بالجملة ومرةً واحدة، ثم إدخالها في عملية معقدة تتضمن البيع لأشخاص يعرفون أنها مسروقة ويقومون ببيعها بدورهم، وذلك لتحويلها إلى أموالٍ سائلة”.

وعلى الجانب الآخر من الصورة، نجد سلعاً مثل حقائب اليد غالية الثمن والأدوات الكهربائية. ونظراً لأن ثمن الواحدة منها يتراوح في أغلب الأحيان بين مئاتٍ وآلاف الدولارات، فإن سلب أحدها فحسب، يمكن أن يكون مُربحاً لسارقه.

وبصرف النظر عن الاختلاف في طبيعة ما سيسعى اللصوص إلى السطو عليه، سواء كان أموالاً سائلةً أو شفرات حلاقة أو حيواناتٍ أليفةً، فإن أمراً واحداً لن يختلف – مهما غير المجرمون من طباعهم في هذا الشأن – ألا وهو ما يجتاح الضحايا من مشاعر عند تعرضهم للسرقة.

من بين هؤلاء الضحايا دونالد ماكلويد، الذي تحدثنا عنه في البداية، والذي لا تزال الشرطة تحقق في ملابسات اختفاء ذكر طائر البوم المملوك له، ويقول الرجل: “لا أعلم لماذا أُخِذَ، ولكن بالنسبة لنا، لم يكن ‘سكامب’ يُقدر بثمن”.