كتاب سبر

هل يمكن أن يجتمع ترامب مع روحاني؟

اشترطت طهران على لسان نائب رئيس الإدارة الرئاسية حميد ابوطالبي، عودة واشنطن للالتزام بالاتفاق النووي، واحترام النظام، والابتعاد عن اللغة العدائية، قبل بدء أي محادثات بين الطرفين.

يأتي ذلك ردا على تصريحات للرئیس الأمریكي دونالد ترامب أدلى بها الاثنین وقال فيها إنه مستعد لمحادثات مباشرة مع الرئيس الإيراني حسن روحاني “بدون شروط مسبقة” لبحث سبل تحسین العلاقات بعد انسحاب الولایات المتحدة من الاتفاق النووي. لكن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو صرح بعد ذلك بما يمكن اعتباره “شروطا” لإجراء هذه المحادثات، وقال: “إذا أظهر الإيرانيون التزاما بإجراء تغييرات جوهرية على كيفية تعاملهم مع شعبهم، والحد من سلوكهم الخبيث، ووافقوا على أنه من المفيد الدخول في اتفاقية نووية تمنع فعليا الانتشار، في هذه الحالة فإن الرئيس مستعد للجلوس لمحادث معهم”.

فتصريحات بومبيو كانت بمثابة تراجع عن المبدأ الذي وضعه ترامب للمحادثات، غير أن “شروطه” لا تمنع الحوار، كما لا تعزز التوقعات بحصول مواجهة عسكرية بين البلدين، إذ أشار إلى ضرورة تحسين وضع الشعب الإيراني، الحقوقي والمعيشي، وعلى ابتعاد طهران عن سياساتها الإقليمية المثيرة للجدل، كما شدّد على إبعاد البرنامج النووي عن أي استغلال عسكري. ووفق المراقبين، يبدو بومبيو وكأنه يطلق رسالة غير مباشرة إلى الشعب الإيراني بأن عليه الاستمرار في الاحتجاج ضد سياسات النظام الداخلية والخارجية، ويطالبه بأن لا يبالي بخطاب طهران المعزز للمواجهة العسكرية. 

وعرض المحادثات المباشرة هذا، ينطلق من وقائع على الأرض ليست في صالح إيران، من ضمنها التمسك بالعقوبات الأقتصادية (التي ستبدأ بعد أيام) والعقوبات النفطية (التي ستبدأ في نوفمبر المقبل)، والاحتجاج على دورها في بؤر الصراع بالمنطقة ومن دعم مناهضي إسرائيل، وكذلك الاحتجاج على تطوير صواريخها الباليستية. وكأن هذا العرض بمثابة لَيْ أكثر للذراع الإيرانية.

كذلك يمكن القول إن هذا العرض هو مسعى من ترامب لإعطاء طهران فرصة تراجع جديدة بشأن سلوكها في المنطقة، خاصة وأن عرضا مشابها أتى أكله مع كوريا الشمالية وأدى إلى تحقيق نتائج إيجابية، من بينها الإجتماع التاريخي بين ترامب والزعيم الشمالي، والاتفاق على ما من شأنه إبعاد سحب المواجهة العسكرية/النووية عن منطقة شبه الجزيرة الكورية.

وفي تصور المحللين السياسيين، يبدو طهران قادرة على “توظيف” الخطاب الأمريكي ضدها من أجل الحد من الاحتجاجات الداخلية. فهي تسعى بكل ما تحمل من قدرات إعلامية إلى صب مزيد من الزيت على التصريحات الأمريكية “الإستفزازية” لتحويلها إلى عناوين “مواجهة مع العدو الخارجي”، بهدف إبعاد الشعب الإيراني عن بوصلة الاحتجاجات. أي أن العرض الأمريكي قد يقوض سياسات طهران في خنق الاحتجاجات، المتوقع أن تتصاعد مجددا في ظل التراجع الشديد للظروف المعيشية. لذا، سعت إيران إلى استغلال الضغوط الاقتصادية المفروضة عليها بطرح خطاب المواجهة العسكرية، وهددت بإغلاق مضيق هرمز ردا على التهديدات بوقف تصدير نفطها.

ولا شك أن ردود أفعال الساسة الإيرانيين بمختلف توجهاتهم تجاه الإنسحاب الأمريكي من الاتفاقية النووية، اتسمت بالإدانة والصدمة، وبرفض الجلوس مجددا مع واشنطن. فالإنسحاب حسب طهران كان بمثابة “إنقلاب” أمريكي على المواثيق الدولية، ومن ثم لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة للتباحث حول أي اتفاق جديد. ويعي الأمريكان بأن عرضهم التفاوضي لن يحصل على موافقة إيرانية، وأنه مجرد مسعى لسد الطريق أمام طهران لاستغلال الخلاف بين الطرفين في تعزيز الخطاب العسكري وصولا إلى خنق الاحتجاجات الداخلية. لذا من شأن الجواب على السؤال: هل يمكن لترامب وروحاني أن يجتمعا؟ أن يكون النفي، ففي ظل التطورات  والظروف الراهنة، لا يمكن أن يلتقيا..