أقلامهم

ذكرى غزو الكويت: دروس مستمرة!

مرت منذ أيام قليلة ذكرى غزو العراق للكويت، تلك الحادثة الدموية الغادرة التي غيرت وجه المنطقة للأبد، وخرجت أصوات من العراق تطالب بضرورة تسمية ما حدث بأنه غزو «صدامي» للكويت نسبة للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وليس نسبة للعراق. وهذا طبعا تزييف للحقيقة، فقبل صدام حسين كان هناك من يطالب بضم الكويت للعراق، وبعد صدام حسين هناك من له المطالب نفسها، وإن تغير وجه المطالب بذلك الأمر.
صحيح أن ما حصل قبل ذلك كان نتاج عقيدة حزب البعث الخفية التي ترفع شعارا هلاميا مثاليا في طرحه، ولكنه شيطاني في تفاصيله، وهو «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، وتحت هذا الشعار تستباح حدود الدول كما فعل العراق مع الكويت، وكما فعلت سوريا مع لبنان. وهذه مسألة خطيرة يجب ألا يؤتمن جانبها أبدا. اليوم هناك دول وحدود وسيادة يجب أن تحترم منعا للفوضى واحتراما للأمن. دعوى أن مطالبة العراق بضم الكويت هي نتاج «صدامي» حصرا، هذا طرح باطل، فهناك ترويج لدى إعلام نظام طهران يطبل له أبواق تنظيم «حزب الله» الإرهابي بالمطالبة «بضم» البحرين وعدم الاعتراض على احتلال إيران لجزر إماراتية ولا الاعتراض على طروحات شخصية كويتية متطرفة وتكفيرية مثل ياسر الحبيب الذي يطالب بضم الكويت والساحل الشرقي كله من الخليج العربي لإيران والعراق. هذا الطرح حي يرزق وهو بين أيدينا مهما كان شاذا إلا أنه متروك و«مسموح له» ويلقى دعما سياسيا وماديا من إيران والعراق ولبنان. وهذا في رأيي سابقة خطيرة وفيها تهديد مستمر للأمن العربي.
احتلال الكويت من قبل العراق كان نتاج «عقيدة» سياسية تتغير شعاراتها بحسب من هم في الحكم بالعراق في وقتها. وليست الكويت وحدها التي تتعرض للخطر اليوم، فهناك أصوات متصاعدة داخل فريق إيران في لبنان ينادي بالتطبيع الكامل مع نظام الأسد بل و«الوحدة الكاملة» مع سوريا، وبذلك يكون الاحتلال كاملا للبنان وتضيع معه سيادة البلد. وإذا فتح هذا الباب فهو باب لا نهاية للتبعات الآتية منه، فهل يسمح لسوريا أن «تضم» الأردن، ومصر تستعيد السودان، والبحرين أن تستعيد قطر، وغير ذلك من السيناريوهات الصعبة وغير المجدية.
من حق الكويت أن تحيي ذكرى غزو العراق لها والغدر بها من جار ائتمنته على نفسها، علما بأن غزو العراق للكويت لم يكن عراقيا فقط، ولكن كان فلسطينيا وأردنيا ويمنيا في وقتها، إذ روجت حكومات وشعوب هذه الدول للغزو الغاشم بشدة وفرحت وهللت وشمتت فيه وبه، وبالتالي إحياء الذكرى هو نوع من التذكير المطلوب حتى لا يلدغ المرء من الجحر نفسه مرة أخرى، علما بأنه لا تزال ملفات المفقودين الكويتيين في فترة الغزو بلا حل عراقي حتى اليوم، وهي مسألة إنسانية بحاجة لإغلاق موضوعها في أقرب فرصة، ولنا مَثَل فيما حصل في ملف القتلى المفقودين من الجيش الأميركي في كوريا الشمالية الذين يتم تسليم رفاتهم تباعا من الجيش الكوري الشمالي إلى القوات العسكرية الأميركية بعد عقود طويلة من الزمن، وهذا أنموذج لمن هم في حالة حرب فما بالك بدولتين متجاورتين بينهما سلام ظاهري.
صدام حسين مجرم غدر بجارته الكويت تماما مثلما غدر حافظ الأسد بلبنان. والذي يجد فارقا بين الاثنين فهو مصاب بالعمى والهستيريا الطائفية بامتياز… ولعل ذلك من أهم مشكلات المنطقة.