أقلامهم

طاعة ولي الأمر

كثر الحديث في السنوات الأخيرة، وبالذات بعد مرحلة «الربيع العربي»، عن مفهوم وجوب طاعة ولي الأمر وما يستلزم ذلك من عدم جواز الخروج عليه! واستنفرت وسائل الإعلام الرسمية في معظم دول المنطقة، خصوصاً دول الخليج ومصر وسوريا وغيرها! وظهر لنا علماء ومشايخ، بعضهم لم نسمع بهم من قبل يؤكدون حرمة الخروج على ولي الأمر، خصوصاً بعد الاطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي واستقرار الأمور لخلفه! وظن البعض أن «الربيع العربي» سيمتد إلى بعض دول الخليج فبادروا بضربات استباقية لبعض التكتلات السياسية، وشيطنوا البعض الآخر، وشدّدوا الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي، وقيّدوا الحريات العامة بقيود غير مسبوقة، وفتحت السجون والمعتقلات في بعض الدول العربية، وامتلأت أروقة المحاكم بقضايا النشر والانتماء إلى أحزاب محظورة، وأصبحت بعض الدول سجناً كبيراً الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود!
نحن في دول الخليج لم نكن في حاجة إلى كل هذه الإجراءات لخصوصية أنظمة الحكم عندنا؛ فالحكم هنا عشائري أو عائلي، والشعوب الخليجية راضية بحكم هذه العوائل؛ لأنها عنصر استقرار للبلد، والجميع يدرك أن زوال هذه العوائل يعني الفوضى والخراب وضياع الأمن والاستقرار.
هذه الحقيقة ــــ مع الأسف ــــ لم يكن يدركها بعض من كان يخطط لبعض هذه العوائل الحاكمة، فأوحى لهم بضرورة ضرب هذه التيارات قبل أن يستفحل أمرها!
قد يقول قائل إن هذه التيارات خرجت في تظاهرات ومسيرات في الكويت، ولولا استعمال القوة معها لحدث ما لم تحمد عقباه! ونقول إن هذا الفهم هو أساس المشكلة التي نعاني منها اليوم وسبب تخلّف بلداننا وتعطل التنمية لدينا! فالجميع يدركون أن المسيرات ــــ ولم تكن تظاهرات ـــــ كانت سلمية، ومطالبها معلنة ومشروعة، حيث كانت تطالب بمحاربة الفساد الذي استفحل في تلك الفترة، وكان يقودها عدد من ممثلي الأمة من النواب ومن مختلف التوجهات السياسية، ولما تم التعامل معها بالعنف غير المبرر لجأت إلى الاعتصامات بهدف توصيل رسالتها! وكلنا نذكر دواوين الإثنين في نهاية 1989 ومطلع 1990، حيث كانت اعتصامات تنادي بالإصلاح وعودة العمل بالدستور، ولم يقل أحد إنها كانت تسعى إلى الحكم.
الخلاصة؛ لا تجد كويتياً عاقلاً يطالب بتغيير أسرة الحكم، ولا يوجد تيار سياسي كويتي يضع ذلك ضمن أهدافه، بل أقصى ما يطمحون إليه الإصلاح والنزاهة وتطبيق القانون على الجميع. وأظن أن هذه القاعدة تنطبق على معظم مواطني دول الخليج وقواه السياسية، إن وجدت.
لذلك، نتمنى ألا يزايد علينا علماء البلاط بالتأكيد المستمر على حرمة الخروج على ولي الأمر، فهذا الموضوع من أبجديات العمل السياسي لدينا، وطاعة ولي الأمر متمثلة طوال مسيرتنا السياسية، مع التأكيد على عدم الخلط بين الصدع بالحق وإنكار المنكر والمطالبة بالإصلاح وبين معصية ولي الأمر، فاليوم بسبب هذا الخلط المتعمد تتم المطالبة بالسكوت عن كثير من أوجه الفساد وقبوله كأمر واقع! وانظروا إلى واقعنا اليوم تجدوا أن ما كان يميزنا من هامش جيد للحريات العامة واحترام الرأي الآخر قد فقدناه بسبب بعض بدع الفتاوى من اعتبار ذلك من معصية ولاة الأمر!

2 تعليقات

أضغط هنا لإضافة تعليق

اترك رداً على يا خيل الله اركبي إلغاء الرد