أقلامهم

عقول للإيجار!

المأساة أن يعيش الإنسان حياة الآخرين ويقضي سنوات عمره دون أن يعيش حياته الخاصة سواءً بتطويرها أو خلق ظروف أفضل لها أو حتى الاستمتاع بما هو متوافر في هذه الحياة، وإن كانت على درجة من البساطة والتلقائية.

هذا الاستعداد الطبيعي لدى الكثير من الناس وما يصاحبه من مشاعر الشغف باستقصاء حياة الآخرين، والحرص الأكبر على متابعة تفاصيل يومياتهم استغلها السياسيون بشكل كبير، وحولوهم إلى مجرد فلورز (Followers) أو تابعين لمآربهم الخاصة ومصالحهم وطموحاتهم الشخصية، فيصعد من يصعد على ظهورهم في حين يظل هؤلاء البسطاء قابعين في دائرة صغيرة لا حول لهم ولا قوة، ويبقون سنوات طويلة في مستنقع راكد دون إرادة ولا طموح، مكتفين إما بالتطبيل والتهليل لهذا البطل أو ذاك.

قد لا تكون هذه الظاهرة كويتية بحتة، وربما يشاركنا في ذلك الكثير من المجتمعات، ومنها المجتمعات المتقدمة، ولكن مع فارق مهم أن في الدول الديمقراطية، حيث المشاركة الحقيقية والمباشرة في القرار، تنعكس إيجاباً أو سلباً على الفريق المؤيد لطرف على طرف، فالمتنافسون من الشخصيات أو الأحزاب عندما يصلون إلى موقع المسؤولية غالباً ما يترجمون الأفكار والسياسات التي روجوها، وذلك بفضل الجمهور العام الذي رجح كفتهم في الفوز والغلبة.

في كويتنا العزيزة لعل جميعنا نطبل لهذا الشيخ أو ذاك، أو ننبري للفزعة وبتحمس كبير لهذا التاجر أو المسؤول أو لهذا المرشح أو خصمه، أو لهذا المغرد أو غيره، ولكن السؤال ماذا نستفيد؟ وفي أي خندق وضعنا أنفسنا؟ إذا برز فلان أو علاّن؟ هناك حقيقة واحدة أن في أغلب الأمم من يتسلق على مثل هذه الفزعات ويتولى أعلى المناصب يخرج في النهاية المستفيد الأول سواءً من حيث النجومية والأضواء أو النفوذ والسلطة أو المال والجاه، وتبقى الشريحة الواسعة على حالها ومستمرة في حمل همومها ومشاكلها، وتلجأ إلى طرق الأبواب في معظم حاجاتها اليومية، فإما شفاعة من أجل تعيين أحد أبنائها، أو واسطة لترقية إحدى بناتها، أو دزّة من أجل نقل من إدارة أو أخرى، أو ترجٍّ وتوسل للقبول في السلك العسكري، أو «بوس خشوم» من أجل إيفاد «شيبانها» للعلاج، وغيرها من مختلف الاحتياجات اليومية لشعب صغير يعيش على ثروة مالية لا يعلم مقدارها إلا الله!

جربنا هذا التحول السياسي منذ عام 1991 إلى الآن، حيث تبدلت المواقع وتغيّر المسؤولون وظهرت رموز جديدة وعدت بالشمس والقمر، ولكن هل تغيرت الحال؟ وهل حصلنا على مطار يليق بتاريخها؟ وهل افتتحنا مشاريع صحية جديدة تم تشغيلها؟ وهل خفت أزمة المرور؟ وهل تحسّن التعليم وتم القضاء على الشهادات المزورة؟ وهل أُلقي القبض على الحرامية واللصوص؟ والأهم من ذلك هل نستشعر أننا مواطنون لنا حقوق متساوية في بلد الدستور والمؤسسات؟ وهل بتنا نطمئن على مستقبل أبنائنا؟ الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها الكثير من علامات الاستفهام والتعجب والتحلطم تكمن في أن عقولنا صارت للإيجار دون أن تتعنى بالتفكير أو التخطيط لنفسها!