فن وثقافة

صاحب رواية “ساق البامبو”: مقص الرقيب منحني حريتي

روائي يثق بأدواته، يحرك شخصياته بهدوء ليلامس المجتمع وهمومه بلغة تحاكيهم من الأعماق، اتفق كل من قرأ له أنه يجمع بين السهل الممتنع، رصيده الحالي أربع روايات، حاول من خلالها تطوير نفسه، فبعد كل رواية يستعد لما بعدها، حتى استطاع صناعة الدهشة.

حُولت واحدة من رواياته “ساق البامبو” إلى مسلسل تلفزيوني بعد فوزها بجائزة البوكر، في حين أحدثت روايته التالية “فئران أمي حصة” على الكثير من النقد والجدل، وهي التي تعتبر توثيقا لذاكرة الكويت إبان حرب الخليج، ومنعت من قبل الرقابة بالرغم من الفسح لها، وتوافرها بكافة معارض الكتب الدولية.

مجزرة الرقيب

الروائي الكويتي الشاب سعود السنعوسي الذي بدأ حديثه مع “العربية.نت” عن الرقابة، وماذا منحته، وما أخذته منه، يقول: “لا أبالغ إن قلت إن الجهاز الرقابي منحني حريتي، بعكس الدور المرسوم له، مع قناعتي بأن كل ما أكتب سوف يتعرض لمجزرة الرقيب ومحرقته، فأنا أكتب بحرية لأنني على يقين بأن المنع مؤخرًا صار هو القاعدة، وإجازة الكتب هي الاستثناء، فلماذا ألتف على أفكاري وأقدمها بشكل منقوص خشية مقص الرقيب؟ ولماذا أخرس شخصيات أعمالي وأقيدها ما دام العمل الروائي في كل حالاته ممنوعا، هذا ما منحتني إياه رقابة وزارة الإعلام الكويتي، أما ما أخذته مني – مع الأسف – فهو اعتزازي بالدور التنويري لبلدي الكويت منذ أواخر الخمسينيات، ومساهمتها في الحراك الثقافي العربي، تلك الواجهة الثقافية للكويت التي باتت مختطفة اليوم، بسبب ممارسات رقابة وزارة الإعلام ومغالطاتها بتطبيق القانون وسوء قراءتها وفهمها للنصوص وفق أطر ضيقة”.

وأضاف السنعوسي: “إن الرقيب مجرد موظف، لديه خزين من المواضيع والكلمات المحظورة، يترصدها بين أوراق الكتب، ولجنة الرقابة التي يفترض بها أن تقرأ الأعمال، مع الأسف أنها تكتفي بقراءة تقرير الرقيب المضمن كلمات منزوعة من سياقها، فعن أي أديب رقيب، نحن نتحدث إذا كانت اللجنة لا تقرأ الأعمال التي تجيزها أو تمنعها! وأي أديب يقتنع اليوم بجدوى المنع في زمن فضاء الإنترنت المفتوح؟”.

نجاح.. وعزلة

وعن أعماله الأدبية، وهل تشكل نجاح كل رواية عبئا جديدا عليه، قال: “الفاصل الزمني بين الروايات الأربع، يتراوح بين سنتين إلى ثلاث، أستغرقها في البحث والقراءة قبل الشروع بالكتابة، بعد إصدار أي عمل لا أفكر فيما يليه، وأبتعد وقتًا عن الكتابة للقاء القارئ في الملتقيات الأدبية ومعارض الكتاب، وهي الفترة الوحيدة التي أظهر بها، قبل عودتي إلى عزلة الكتابة، عادة ما تستفزني الفكرة من تلقاء نفسها، ولا أبدأ بالعمل عليها إلا بعدما أحتشد بتفاصيلها وأتماهى مع شخوصها وزمنها”.

فئران أمي حصة

توجهت “العربية.نت” بسؤاله عن اهتمامه برواية “فئران أمي حصة” أكثر من غيرها، وهل السبب هو المنع؟ أجاب بقوله: “ربما أنتِ محقة، ولكن لا شأن للمنع بالأمر، لعل كل روائي يضع شيئاً من نفسه في أعماله الروائية، وأتصور أن في “فئران أمي حصة” وضعت كثيراً مني، من طفولتي وقلقي وهواجسي والماضي الذي أعرفه حق المعرفة في تلك المنطقة الأثرية التي نشأت بها، وتشربت تفاصيلها وكبرت بين أناسها بمختلف أطيافهم”.

أما النمط الروائي الذي رسمه في رواياته، فأوضح: “فلنتفق في البدء أنني لا أجد أي جرأة مغايرة فيما أكتب، فأنا أكتب عما يدور حولي وفي العلن غالباً، وما تكتبه الصحف كل يوم، لم أرسم خطاً معيناً، إنما أنا ابن بيئتي أتأثر بما حولي وأتمنى أن أؤثر”.

وتابع: “تغيرت كثيراً وما زلت أتغير مع كل عمل أكتبه، فأنا في كل مرة أعايش تجربة مختلفة، منحتني كتابتي أن أكون هوزيه ميندوزا أو عيسى الطاروف في “ساق البامبو”، وكتكوت في “فئران أمي حصة” وعرزال أو منوال في “حمام الدار” هذه كلها تجارب أضافت لشخصيتي قناعات جديدة، كرست بعضها ونسفت أخرى”.

كل رواية تختار لغتها

وأبان السنعوسي أن الرواية تختار لغتها، “فتجربتي في (ساق البامبو) على سبيل المثال، كانت تحتاج لغة بسيطة تبدو كأنها مترجمة، كون الرواية قدمت على أنها مكتوبة بقلم بطلها هوزيه عيسى، الشاب متوسط التعليم، وفي (فئران أمي حصة) حرصت أن تكون اللغة مختلفة، كون كاتبها مجهول الاسم والملقب بكتكوت كاتباً شاباً، أما في (حمام الدار) فقد أوليت اللغة اهتماماً أكبر لأنني افترضت أن كاتب الرواية روائي مكرس له العديد من الأعمال، لو حدث ذات يوم أن أكتب رواية على لسان طفل، سوف أبذل جهداً لتقارب لغتي لغته”.

الأدب الساخر

كثيرا ما يردد القراء بأن روايات السنعوسي تحوي أدباً ساخراً، ليرد بقوله: “أتوقف كثيرًا عند هذا الوصف، لأنه يتكرر باستمرار من قبل القراء، وكثيراً ما أستغربه، ربما لأنني لا أفتعل السخرية ولا أنويها أثناء الكتابة، إنما يفاجئني القارئ بهذا الانطباع، يبدو أن واقعنا فيه من المرارة، ما يدفعنا أن نعبر عنه سخريةً من دون أن نشعر، كنوع من التنفيس أو التقليل من شأن همومنا”.

وعن نظرته المستقبلية للأدب الروائي بالخليح قال: “هناك أصوات كثيرة باتت تهتم بالأدب الروائي أكثر من أي وقت مضى، وفي السنوات الأخيرة برزت عدة أسماء جادة في عالم السرد، وقدمت مواضيع جديدة، وأتصور في المستقبل أن تبرز أعمال مميزة شكلًا وموضوعا”.

أما جديده فقال: “أعمل حاليا على كتابة رواية، أحرص أن تكون مغايرة لتجاربي السابقة، وأتمنى أن يكون عملاً يستحق القراءة، وأن يمنح القارئ متعة ومعرفة جديدة”.