آراؤهم

إنفذ بجلدك إن استطعت!

لا يمكن أن يكون ما يجري أمراً طبيعياً، ولا يمكن أن تُفسر الأحداث الحاصلة من حولنا على أنها مجرد إشكالات سياسية عابرة كسابقاتها، تُخلق وتُوأد في محيطها، ما يحدث مختلف تماماً، خارج نطاق المعقول، يكاد لا يخلو بلد أو مدينة أو زقاق شرق أوسطي من بؤر ملتهبة تغلي، لا تلبث أن تهدأ حتى تشتعل أزمة جديدة مخلّفة بؤر عنف جديدة، هكذا، تخمد واحدة لتتفجر بالمقابل ثلاث، ديمومة عنف وأزمات لا تنتهي، طفرة جنون متصاعد، لم يعد بمقدور المرء فهم ما الذي يجري؛ فالكل يحلل ويفسر مستنداً على فرضياته واستنتاجاته الخاصة، لوهلة تشعر أنك الأحمق الوحيد الذي قدم الى هذه الدنيا بجمجمة مجوفة فارغة لا تحوي بداخلها سوى بذرة كتان صغيرة، غير أن الحقيقة لا أحد يملك إعطاءك فهمًا واضحًا أو تصورًا صحيحًا لما هو حاصل!!! دعك من المحللين السياسيين الذين يحاولون تحليل كل ما يجري ويصنعون له التفسيرات، هم فقط لملء ساعات البث الطويلة لا أكثر .. ما يحدث عصيّ على الفهم؛ لأنه بكل بساطة عصيّ على الفهم !

كيف لك أن تفهم أن قتل الأبرياء- ولا سيما الأطفال منهم- أصبح نشاطاً يوميا معتاداً له ما يبرر، وأن ظلم الحكومات واضطهادها وقهرها يوجد من يناصره و يدافع عنه بحماس مفرط فاق حتى حماس الظلمة أنفسهم!!! كما أن العدل بات غريبا يتيماً رث الثياب يركل ويصفع بسبب وبلا سبب، من ينشد الاصلاح إما مطارد أو سجين، ومن بالسلطة لص ببدلة رسمية يتغنى بحب الوطن وبجيبه الخلفي مقدارت الوطن، هنا الراقصة تقتطع جزءًا من ساعات عملها الممتهن لتشرح لنا ما جاء في صحيح مسلم والترمذي، بينما يتمايل ( رجل الدين ) على وقع إيقاع طبلة المسؤول برشاقة وخفة -“ولا اقدّعها رقاصة ” – في حفلة مجون مبتذلة، قولك للحقيقة قد يولجك السجن كما أن صمتك سيفعل الشيء ذاته، فلم يعد السكوت من ذهب كما ترى، الصحفي يحرض على زميله الصحفي، والآخر على الشاشة يحدثك عن مآثر طاغية أباد نصف شعبه بنبرة صوت دفاعية أشبه بعواء كلب!!!
فريق يصفق هنا وآخر يهلل هناك، حالة استقطاب واضحة لا تخطئها العين مصحوبة بكم هائل من الابتذال والطعن بالأعراض والإسفاف على أعلى مستوى تدرك معها أن الانحطاط سقوط لا قاع له.
هل تصدق أن منا من يتبنى وجهة النظر الإسرائيلية بأحقية اليهود في الأراضي الفلسطينية دون حياء، وأن الفلسطينيين لا يستحقون العيش كسائر البشر، كما و يتمنى لو أن مدينة غزة ترمى بمن فيها بالبحر، ستُتهم بالدعشنة والأخونة إن كان لك رأي مخالف، هذا أكيد، وستُصرف لك على عجل بطاقة انتساب كعضو فاعل بخلايا عزمي ونظمي وفهمي، أي شي، المهم ستتحول إلى عميل وغد وخائن يتوجب التخلص منه، لا شك وأن استوقفك شيء من هذا الهبل الفذ وتساءلت في ذهول: “شقاعد يصير “؟ للأسف لن تحصل على إجابة… وفّر على نفسك عناء البحث.

من المؤكد أن الأمور لن تقف عند هذا الحد، فالوضع يزداد سوءًا والمشهد يزداد تعقيدًا وضبابية، والأيام تنذر بالأعظم… الأحداث متسارعة، و القرارت ارتجالية، والمجانين يزخر بهم العالم كما لم يحدث من قبل، ومدعو الوطنية ما هم إلا جوقة مطبلين يزينون الباطل مضلين بذلك الرأي العام، ومن يقود حافلة الدبلوماسية أعمى بطريق طويل مليء بالحفر، توليفة عبقرية لتدمير العالم، ستكون النهاية مثيرة بلا شك، هذا الجنون لا بد له من نهاية مبهرة تليق به.
من الحصافة والحنكة أن تستعد لما هو قادم، لا أدري حقيقةً كيف تكون الاستعدادات الاحترازية لكوكب تتداعى أركانه؟ ولكن مجرد تأهبك المشفوق عليه سيشعرك بشيء من الطمأنينة، على الأقل ستكون متوقعًا الأسوأ، وبذلك لن تُجن، كما أنك لن تموت مكتوف الأيدي، ستموت وأنت تجري.. تناور.. تتسلق المواسير باحثاً عن بقعة أمان، ولربما وأنت تقاوم.. مَن يدري؟ … ولكن تقاوم مَن ؟!!

محمد رحيم المحمدي