برلمان

دراسة لـ أ. د. عادل الخضاري: مجلس الأمة هو الذي يحسم مسألة “الإسقاط”

أكدت دراسة أعدها البروفيسور الزائر لدى المملكة المتحدة عضو الجمعية الدستورية البريطانية أ. د. عادل الخضاري أن هناك فروقا بين إسقاط العضوية وإبطالها أو سقوطها، لافتة الى ان لمجلس الامة بحسب الدستور الكويتي واللائحة الداخلية الحق في تقرير مصير عضوية النائبين د. وليد الطبطبائي وجمعان الحربش، على خلفية صدور حكم جزائي بات عليهما.
وبينت الدراسه التي حصلت القبس على نسخة منها ان حسم امر اسقاط العضوية سيشكل سابقة، ما يتعين على كل مختص في القانون العام ان يبادر إلى الادلاء برأيه، مشيرة الى أن الاختلاف في الآراء ظاهرة صحية تمثل خيارات عدة لأصحاب القرار للوصول إلى التطبيق السليم الذي يتفق مع صحيح حكم الدستور والقانون.

اوضحت الدراسة ان موضوع اسقاط العضوية اخذ مساحة كبيرة من الشد والجذب والآراء المتعددة في ظل الواقع السياسي المتأزم أصلاً والحياة السياسية التي تترنح يميناً و شمالاً، مبينة أن اللغط وقلة الحلول وتشتت الآراء في هذه القضية كثر.
واشارت الى ان فكرة التوازن التي تشير إليها النصوص الدستورية بين السلطة التشريعية والتنفيذية قد اختفت من الحياة الدستورية نفسها، مؤكدة ان نظرية الفصل بين السلطات وإيقاف سلطة بواسطة أخرى بإعطاء كل منها وسائل رقابة تجاه الأخرى قد كذبها الواقع السياسي الكويتي.
وذكرت أنه لا بد من الإشارة الى فروق بين اسقاط العضوية والحالات المشابهة لها في الأثر، من حيث إنهاء العضوية البرلمانية كإبطال العضوية أو سقوطها.
ولفتت الى ان إبطال العضوية يتعلق بسبب سابق على الحصول على العضوية في البرلمان نتيجة عيوب موضوعية أو إجرائية شابت انتخاب النائب المطعون في عضويته أو شابت العملية الانتخابية برمتها.
واضافت «إن ابطال العضوية يستلزم فحص وتدقيق في مرحلة الترشيح ومدى توافر شروط العضوية يوم الاقتراع، وإن عملية الانتخاب نفسها قد جرت بشكل صحيح لم تشبها شائبة».
وتابعت «إذا وجد أن ثمة عيباً قد شاب الانتخابات وتخلف لدى العضو الفائز شرط من شروط الترشح، فإنه يقضى ببطلان عضويته من قبل المحكمة الدستورية أو من قبل البرلمان نفسه؛ بشرط ان يتم الطعن خلال المواعيد الدستورية المقررة».
العملية الانتخابية
وأكدت أن البطلان هو جزاء يتعلق بالمرحلة السابقة على اعلان فوز النائب، إما لعدم توافر شروط الترشيح او لعدم صحة إجراءات العملية الانتخابية، او حدوث خلل جسيم فيها ولم يكتشف إلا بعد اكتساب العضوية، موضحة انه بذلك تكون نتيجة فوز هذا العضو غير معبرة عن الحقيقة ويلزم بطلان عضويته، والقرار الصادر يكون كاشفاً وليس منشئاً له.
وفي ما يخص سقوط العضوية، ذكرت الدراسة انها تتم بشكل آلي ولا تحتاج إلى صدور قرار من البرلمان، وهي تتلخص عندما يقوم العضو بالجمع بين عضوية مجلس الأمة مع المجلس البلدي أو أي وظيفة عامة فيما عدا شغل الوزارة، أو أن يعين في مجلس إدارة شركة أثناء مدة عضويته ولم يتمسك بعضويته خلال المدة القانونية وهي ثمانية أيام وفق ما قررته المادة 14 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة.
واعتبرت ان إسقاط العضوية يختلف عن إبطال العضوية أو سقوطها، لا سيما أن في هذه الحالة لمجلس الأمة الدور الحاسم فهو صاحب القرار في مسألة إسقاط العضوية.
وبيَّنت الى ان إسقاط العضوية قرار يتخذه البرلمان المنتمي إليه العضو في مرحلة لاحقة على اعلان النتائج النهائية للانتخابات وفوات مواعيد الطعون، وهو قرار تأديبي ضد العضو الذي فقد شرطا من شروط الترشح أو لإخلاله بواجبات عضويته.
وتابعت «يتضح مما سبق ان مفهوم الاسقاط يتحدد بوجود سبب طارئ، سواء كان هذا السبب موجوداً منذ الترشح ولم يتم اكتشافه الا بعد فوات مواعيد الطعن المقررة – خمسة عشر يوماً من تاريخ الإعلان النهائي للانتخابات – أو لسبب حدث بعد اكتساب العضوية، حيث كانت العضوية ابتداءً صحيحة ولكن فقد العضو أحد الشروط الواجب توافرها والتي تعتبر شروطا لصيقة بالعضوية».
الفصل التشريعي
وزادت «ولما كانت صفة العضوية تبدأ وتنتج آثارها القانونية بالنسبة إلى أعضاء المجلس من تاريخ الإعلان النهائي لنتائج الانتخابات من قبل وزير الداخلية، فإن من أهم مستلزمات العضوية ومقتضياتها ضرورة توافر تلك الشروط بالعضو طوال مدة الفصل التشريعي، وإذا تخلف عن العضو أحد تلك الشروط فإن النتيجة المترتبة على ذلك هي طرح مسألة اسقاط العضوية».
وأكدت أن اسقاط العضوية لم يرد ذكره في الدستور، ولكن نظمته اللائحة الداخلية لمجلس الأمة في المادة 16، ولا يعني ذلك أن إسقاط العضوية يعتبر اجراء غير دستوري، فالدستور الكويتي دستور مختصر وأعطى المشرع العادي صلاحية تنظيم عمل المجلس واختصاصاته.
وبينت «ولما كان إسقاط العضوية لا يخلو من طابع الجزاء المفروض على أعضاء مجلس الأمة بعد مخالفة أحكام الدستور والقانون، جعل المشرع أمر اسقاط العضوية من اختصاص مجلس الأمة نظراً لما يحققه ذلك من حماية للسلطة التشريعية إزاء السلطة التنفيذية وصوناً لاستقلالها».
وذكرت «ولأن أعضاء المجلس يحتلون مراكز قانونية لا تمس إلا عند شبهة توافر الأسباب الموجبة لذلك، فإن على مجلس الأمة العمل وفقاً للإجراءات القانونية في التعاطي مع هذا الموضوع لحساسيته».

شروط الترشُّح

حددت المادة 82 من الدستور الشروط الواجب توافرها في عضو مجلس الأمة منذ لحظة انتخابه حتى انتهاء عضويته، فهي شروط لصيقة بالعضوية وهي:
أن يكون كويتي الجنسية بصفة أصلية وفقا للقانون.
أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب.
ألا تقل سنه يوم الانتخاب عن ثلاثين سنة ميلادية.
أن يجيد قراءة اللغة العربية وكتابتها.

إجراءات الإسقاط

بينت الدراسة أن إجراءات إسقاط العضوية التي تحصل بعد ان يفقد العضو أحد الشروط، هي أن يقوم رئيس المجلس بإحالة الأمر إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لبحثه، وعلى اللجنة أن تدعو العضو المعرضة عضويته للإسقاط للحضور والاستماع إلى دفاعه، فمن حقه تقديم دفاعه وإبداء أقواله في مسألة إسقاط عضويته لما فيها من المساس بمركزه القانوني بتعريض عضويته للسقوط، ويجب على اللجنة أن تقدم تقريرها إلى المجلس خلال اسبوعين من إحالة الأمر إليها.
واضافت الدراسة «تأتي بعدها المرحلة الأكثر أهمية، وهي مرحلة بحث المجلس إسقاط العضوية. وعلى المجلس السماح للعضو المعرضة عضويته للإسقاط بتقديم دفاعه على أن يغادر المجلس عند أخذ الأصوات».

الأغلبية المطلقة

أكدت الدراسة أن النظم الدستورية اختلفت في تنظيم كيفية اسقاط العضوية عند فقدان شرط من الشروط التي يجب أن تحدد على سبيل الحصر، فمنها ما اشترط أغلبية خاصة (وهي أغلبية الثلثين)، ومنها ما اشترط الأغلبية المطلقة لأعضاء البرلمان، ومنها ما ينص على أن الاسقاط يأتي تلقائياً متى ما تحقق فقدان أي شرط من شروط العضوية، وهنالك ما لم تجعل لأي سلطة حق تجريد العضو من عضويته حتى لو فقد شرطا من تلك الشروط؛ وهذا ما تبناه الدستور الجزائري.

المشرّع الكويتي

أشارت الدراسة إلى أن المشرع الكويتي منح مجلس الأمة سلطة وصلاحية تجاه هذا الإجراء الخطير، إذ أوجب عليه التحقق من فقد النائب شرطاً من تلك الشروط من عدمه، وألزم لإسقاط العضوية الحصول على الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس، فالعضوية لا تسقط بشكل تلقائي لمجرد فقدان العضو شرطاً من تلك الشروط.
ولفتت الى أن المشرّع ساير في ذلك مقتضيات العمل النيابي المرتكز أساساً على استقلال السلطة التشريعية إزاء السلطات الأخرى في الدولة.

الخلاصة

خلصت الدراسة الى أنه في ما يتعلق بإسقاط عضوية النائبين د. وليد الطبطبائي ود. جمعان الحربش، فإنه بعد انتهاء مراسيم الجلسة الافتتاحية وانتخابات اللجان وتوزيع المناصب، يتعين على مجلس الأمة مناقشة تقرير لجنة الشؤون التشريعية والقانونية الذي يفترض أنه جاهز، لأن المدة القانونية هي أسبوعين على الأكثر من تاريخ إحالة رئيس المجلس الموضوع للجنة.
وذكرت ان على المجلس ان يصوت على اسقاط العضوية خلال أسبوعين من تاريخ عرض التقرير عليه الذي يكون انتهى إما إلى اسقاط العضوية عن النائبين أو الإبقاء على عضويتهما.

تساؤلات قانونية

بينت الدراسة انه قد يثور تساؤل حول ما إذا كان التصويت على عدم اسقاط العضوية بالنسبة للعضو المحكوم عليه بحكم جزائي نهائي يتعارض مع حجية الأحكام القضائية من عدمه، كون تلك الأحكام تتصف دائماً بأنها عنوان للحقيقة؟
واشارت الى إن اتجاه معظم الدساتير هو إعطاء المجالس النيابية مسألة الفصل في اسقاط العضوية وذلك لا يتعارض مع حجية الأحكام وقطعيتها، إذ إن المجالس النيابية لا تتعرض للأحكام القضائية، فالقضاء قد أصدر حكمه.
وشددت ان المجلس حينما يناقش موضوع اسقاط العضوية فهو يمارس حقه الذي خولته له اللائحة الداخلية، وهو يبحث مسألة فقد أحد أعضائه لشرط من شروط العضوية، فالأعضاء لهم مراكز قانونية ودستورية وهذه المراكز يجب الا تسقط حكماً عند شبهة توافر الأسباب الموجبة.
ولفتت الى ان الاسقاط يجب ان يكون وفق إجراءات قانونية مفادها أن يصوت المجلس على توافر أحد الأسباب الموجبة لهذا السقوط، ومن ثم لا يتعرض المجلس في مسألة اسقاط العضوية لا من قريب ولا من بعيد للأحكام القضائية وحجيتها، إنما يمارس الدور المنوط به دستوراً وقانوناً.

العرف الدستوري

تطرقت الدراسة الى العرف الدستوري في بريطانيا مهد الحضارة الديموقراطية، الذي أناط بمجلس العموم البريطاني أمر البت في اسقاط عضوية أحد أعضائه، إذ اسقطت عضوية النائب بالير، بسبب صدور حكم بحبسه لمدة سبع سنوات في جرائم احتيال، كما أسقطت عضوية النائب الويكن برادلي في عام 1769.

نواب القروض في مصر

تطرقت الدراسة الى حالات اسقاط العضوية في عدد من الدول، من بينها مصر التي تعتبر من أكثر الدول اسقاطاً للعضوية، على الرغم من اشتراط الدستور المصري موافقة ثلثي أعضاء البرلمان لإسقاط العضوية. وبينت ان من بين تلك الحالات كانت لأعضاء صدرت عليهم أحكام بالقضية المعروفة باسم «نواب القروض»، أما في الأردن فهنالك من أُسقطت عضويتهم حكماً، أي بمجرد فقدان شرط من شروط العضوية، فإن النائب تسقط عضويته دون الحاجة لقرار من المجلس.

طبيعة القرار

أوضحت الدراسة أن طبيعة القرار الذي سيصدره المجلس في شأن إسقاط عضوية النائب هي قرار منشئ، حيث يترتب عليه أثر قانوني جديد وإحداث تغيير في المراكز القانونية القائمة، مؤكدة انه ليس قراراً كاشفاً، لأن الكاشف لا يحدث أي أثر قانوني جديد، إذ يقتصر دوره في تقرير إثبات حالة موجودة من قبل ومحققة بذاتها الآثار القانونية.
وتابعت «ولما كان اسقاط العضوية لا يصدر تلقائياً وإنما بناء على قرار يصدره المجلس بالأغلبية المطلقة، بعد أن يتحقق من الأمر وبعد أن تستمع لجنة الشؤون التشريعية والقانونية في المجلس إلى من يراد اسقاط عضويته، فإنه لا مجال للشك بأن قرار إسقاط العضوية أو عدم اسقاطها هو قرار منشئ وليس كاشفا».
وشددت انه إذا اسقطت عضوية أحد النواب فإن الأثر المترتب على ذلك يقتصر على المستقبل ولا يرتد الأثر إلى الماضي، وهذا لم يحدث في تاريخ العمل البرلماني الكويتي، بخلاف الحاصل في الأنظمة العربية المقارنة.