فن وثقافة

(الزهيري).. فن شعري قديم اشتهر على سفن الغوص للتعبير عن آلام وآمال البحارة

 لطالما عرف فن الزهيري على مدار العقود الماضية باستخدامه من قبل النهامة لإطراب البحارة الموجودين على متن سفن الغوص والتجارة في الكويت ومنطقة الخليج العربي وتعبيره عن آلامهم وآمالهم والتخفيف من معاناتهم ومشاق رحلاتهم الطويلة.

والزهيري من فنون الشعر الشعبي يعتمد على التلاعب اللفظي والجناس في كلماته ويعرف بهذا الاسم في البحرين وقطر كما يعرف فيهما باسم (المواله) فيما يطلق عليه اسم (المسبع) في سلطنة عمان ويقل استخدامه في الإمارات والسعودية عدا أهل جبيل كونهم أهل غوص وبحر.
انتقل فن الزهيري للكويت من جنوب العراق ثم امتد عبر الزمن ليشمل معظم سواحل الخليج العربي منفردا بلونه عن أشعار البادية وليساهم في نشر ثقافة اجتماعية تنبع من المجتمع وعاداته وتقاليده وتعبر عن هموم أبنائه وآمالهم.
واختلفت الآراء في تسمية (الزهيري) فمنهم من نسبه إلى رجل اشتهر بحسن نظمه وغنائه له يسمى (ملا جادر الزهيري) من قبيلة الزهيرات في حين قال آخرون إن الزهيري يعود إلى ما قبل ذلك الرجل ونسبوه إلى عائلة من السعودية تدعى آل الزهير استوطنت منطقة الزبير في العراق.
من جهته قال الباحث في التراث الكويتي منصور الهاجري في لقاء مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الاثنين إن فن الزهيري الذي ينظم عادة من سبعة أشطر متحدة اللفظ مختلفة المعنى انطلق من الزبير في العراق.
وأضاف أن أول من اشتهر بقول الزهيريات هم عائلة آل زهير السعودية التي هاجرت إلى الزبير عام 1747 ميلادية واستقروا بتجارتهم هناك ليتأثروا بنوع من الشعر في العراق يسمى (الأبوذية) إلا أنهم زادوا عليه ثلاثة أشطر لتنسب التسمية لهم.
وأوضح أن (الأبوذية) نوع من الشعر ينفرد فيه أهل العراق وبغداد يتكون من أربعة أشطر على بحر الوافر خلافا للزهيرية التي تنظم على بحر البسيط مضيفا أن الشائع أنها سميت (أبوذية) لانتهاء القفل في الشطر الأخير بحرفي الياء والهاء (يه).
وقال الهاجري إن من أشهر من نظم فن الزهيري من تلك العائلة هو علي باشا يحيى الزهير المتوفى عام 1830 وعبد الرزاق الزهير المتوفى عام 1836 وموسى الزهير مبينا أن زهيريات الكويتي عبدالله الفرج (1836-1901) جاءت بعدهم وقبل الملا جادر الزهيري.
في السياق ذاته أوضح الباحث في التراث الكويتي عبدالله المرشد في لقاء مماثل ل(كونا) أن النهام (مغني السفينة) فرحان بوهيلة سبق عبدالله الفرج في نظمه للزهيريات قديما.
وأضاف أن الكويت كانت الأكثر تأثرا بالزهيريات حيث حظي هذا الفن بحضور قوي ليصبح أساس الغناء البحري في فترة الغوص والبحث عن لقمة العيش التي مارسها البحارة على ظهر السفن في رحلاتهم الطويلة.
وأفاد المرشد بأنه لم تكن تخلو أي سفينة تعبر الخليج العربي من نهام يصدح صوته بالزهيريات باعتبار أن فن الزهيري يعد أساس الشعر المستخدم في النهمة ويستخدم في اليامال وفن الحدادي.
وللنهام بوهيلة زهيرية مشهورة نظمها في إحدى رحلات الغوص وتغنى بها في محاولة منه لإبلاغ نوخذة السفينة بأن زوجته الحامل توفيت هي ومولودها أثناء الولادة إذ وصلهم الخبر قبل مغادرتهم أحد الموانئ دون أن يستطيع أحد إبلاغه بالخبر فنظم حينها زهيرية حاول من خلالها إبلاغ النوخذه بالنبأ المحزن: لي خلة خلخلوا عظمي وخلوني شروى العنب بالقدر يا الخلة خلوني لا هم خذوني ولا في الدار خلوني ظليت من بعدهم أجمع مرار وصبر قالوا تصبر قلت ما بي صبر يا الله يا الرحمن بالي عليه الصبر خذوا حبيبي وبالحرات خلوني والزهيرية تتكون من سبعة أشطر تكون الثلاثة الأولى على لفظة واحدة متكررة تحوي الحروف ذاتها إلا أنها تتضمن تلاعبا لفظيا وجناسا ليكون لكل منها معان كثيرة ودلالات مختلفة تجعل سامعها يسعى إلى استنباط اللفظة في نفس توقيت نطق الشاعر لها.
وتكون الأشطر الثلاثة الثانية مختلفة عن الأولى ويقفل الشطر السابع (الرباط) الذي يهتم بإبراز حكمة أو قول مأثور أو خلاصة تجربة بمثل لفظ الشطر الأول لكن نتيجة لاعتمادها على اللفظ والسماع فإنه قد يصعب كتابتها بنفس درجة الوضوح عند التلفظ بها.
وقد تقلصت مساحة انتشار فن الزهيري بعد ظهور النفط والطفرة الاقتصادية واندثار مهنة الغوص وفق ما ذكره الباحث المرشد لارتباط الزهيريات والنهمة بالنهامة وبأغاني العمل والبحر.
وحاليا اقتصرت ممارسة الزهيريات بالشكل الغنائي على الأغاني الشعبية حيث أصبحت ترافق تقاسيم آلة العود في استهلال الأغاني وفاصل المقام في فن الصوت الذي يؤدى في بعض الاحتفالات الوطنية والمناسبات الرسمية في حين تقلصت ممارستها بشكلها الشعري لقلة محبي كتابتها وإلقائها. وتباينت الآراء حول أول من نظم الزهيريات (التي تعد فرعا من فروع الموال) إذ يرى معظم مؤرخي الأدب أن بدايتها تعود إلى عصر نكبة البرامكة حين رثت إحدى الجواري الوزير جعفر البرمكي الذي قتل وصلب بأمر من الخليفة العباسي هارون الرشيد.
ويرى آخرون أن الموال أو المواليا كان قائما قبل ذلك وسمي هذا النمط من الرثاء والشعر فيما بعد باسم (المواليا) حيث نشطت الأوساط الشعبية في استخدامه في مرثياتهم وتحول للعامية بعد أن كان بالفصحى ثم تطور من ارتباطه في بداياته بطابع الحزن والآلام والشكوى ليشمل حالات الفرح والغزل فيما بعد.
ورغم الاختلاف في كون مدينة بغداد هي حاضنته الأولى أو مدينة واسط أو الزبير فإن الثابت أنه عراقي النشأة قبل امتداده وانتشاره إلى بقية المدن العراقية ومنها إلى خارج العراق لتكون الكويت والبحرين وقطر الأكثر تأثرا به.
وتتنوع الزهيريات بين عدة أشكال حيث بدأت بالرباعي البغدادي ويسمى (المروبع) الذي يوزن على أربعة أشطر ثم تطورت إلى الشكل الخماسي المعروف بالموال الأعرج (ويسمى بالكويت التخميس حيث يبدأ بشطر قصيدة وشطر يكتبه الشاعر حتى تنتهي الشطر الخمسة).
ثم تطور ذلك الفن إلى النوع الثالث وهو الزهيري السباعي والموال النعماني ذو السبعة أشطر ويسمى السباعي أو المسبع حسب كل منطقة وهو الأكثر شيوعا وشهرة في الكويت ومنطقة الخليج أما الرابع فهو المتوسع والمعوشر.
ولا توجد اختلافات في الزهيريات في منطقة الخليج بل قد تكون موحدة إلا من اختلافات بسيطة وفي عدد محدود من التسميات من مكان إلى آخر فبينما يطلق عليها الزهيرية في الكويت نجد أنها تسمى اضافة إلى ذلك بالمواله في البحرين وقطر.
وفي عمان يطلق على فن الزهيريات فن المسبع وإن اختلف أهل عمان كونهم يستخدمونه في شيلاتهم وفي فن الميدان بينما يستخدمه أهل الكويت والبحرين وقطر في أغاني العمل البحرية كالحدادي واليامال.
اشتهر فن المسبع في المنطقة الشرقية بسلطنة عمان وتحديدا ولاية صور وبعض مناطق الباطنة مثل صحار وصحم والسويق كما اشتهرت الزهيريات في البصرة والزبير وعند أهل شط العرب أكثر من أهل بغداد في حين تقل شهرتها في الإمارات والسعودية عدا أهل جبيل كونهم أهل غوص وبحر.
عربيا يعد الزهيري المغنى فنا فولكلوريا معروفا في بعض الدول وإن لم يمتد لكل الدول العربية وعادة ما ينظم فيها على أربعة أشطر أو يكون (مخمسا) وليس سباعيا لكن تحت مسميات مختلفة.
ويعرف هذا الفن باسم المواليا والزجل الشامي والموال الشرقاوي والشروقي في نواح من سوريا وموال العتابا والميجانا في لبنان وفلسطين والأردن والموال البغدادي في المغرب.
ووصل هذا الفن إلى مصر عن طريق بر الشام ليطلق عليه فن السبعات في جنوب الصعيد إلا أن طريقة غنائه تختلف عن الموال الزهيري في الخليج.