عبدالله المسفر العدواني
عبدالله المسفر العدواني
كتاب سبر

جحا 2019!

مع مرور الأيام تتغير الأجيال وعاداتها وطباعها.. ولأني أحاول قدر الإمكان أن أزرع في أبنائي بعض عادات جيلي التي أراها مفيدة، فأحرص بين حين وآخر أن أصطحبهم للمكتبة فلربما تستأثر بعض الكتب بجزء من وقتهم بعيداً عن الهاتف الجوال أو الآيباد أو غيرها من وسائل الترف التكنولوجي التي سيطرت على العقول.

ففي الأسبوع الفائت اصطحبت ابني محمد إلى المكتبة وأخذنا بتفقد بعض الكتب حتى اختار ما يناسبه ومن ضمنها قصة للشخصية الأشهر في عصره وهي شخصية جحا تلك التي كنا نقرأ قصصها ونستمتع بها في فترة الطفولة والصبا.. وفي المساء طلب مني قراءتها له.

وبدأت في القراءة للقصة التي بين يدي والتي تحكي عن أن جحا في قديم الزمان وسالف العصر والأوان كان يبحث عن الولائم المميزة ليشبع بها غريزة الجشع ويملأ بالطعام بطنه.. وفي إحدى الليالي سمع جحا عن وليمة لأحد وجهاء البلد فيها ما لذ وطاب من الطعام الشهي فذهب مسرعا الى حيث الوليمة الفخمة لكن الحاجب رفض السماح له بالدخول لَمّا رأى ثيابه الرثة المُغبرة وعرض عليه أن يتوجه لمائدة عامة الناس، لكنها مائدة لاتُرضي جحا لقلة طعامها وبساطته، فعاد جحا مسرعاً لداره وغير ملابسه وارتدى أجمل الثياب.. ورجع جحا لوليمة الوجهاء بهيئته الجديدة فرحّب به أصحاب الدعوة وأحسنوا استقباله وأجلسوه في مقدمة المائدة وقدموا له الطعام الذي يسعده.

قصة جحا هذه هي خير مثال لما يفعله جحا العصر الحالي الذي يرتاد كل الموائد دون مبدأ أو إيمان برؤية أو فكرة.. نعم فلدينا هنا جحاً حديث !! فجحا العصر يُغير فكره وشهيته بتغير ألوان الملابس التي يرتديها من أجل أن يملأ بطنه بالأطمعة اللذيذة الفاخرة.

فجحا 2019 بدأ مشواره بثيابه البسيطة ذات اللون البرتقالي بالتردد على موائد أصحابه التي يُميزها البساطة، ولكن طبعه المتغير ونفسه الجشعة أشارت عليه أن يُغير موائد أصحابه كما يُغير ملابسه فاتجه للموائد الرياضية الصحية التي يغلب على طعامها اللون الأصفر لأنّ أصحابها ذات ميول رياضية، لكن جحا لا يبحث عن الرشاقة والصحة بقدر ما يبحث عما يُشبع كرشه فبدأ بالبحث عن موائد فيها مالذ وطاب من الطعام الدسم كثير السعرات الحرارية… فوجد غايته في الموائد البيضاء فحرص على ارتداء الملابس البيضاء ليتناسب مع ديكور هذه الموائد، وحتى يسمح له الحاجب بالدخول لهذه الموائد.
فيا تُرى ونحن على مشارف العام الجديد 2019 ماذا سيفعل جحا العصر؟ هل سيظل مرتدياً الملابس البيضاء الحالية لينعم بالموائد العامرة التي فيها من الأرزاق والغنائم، أم أن الأمور ستتغير ويعاود جحا لممارسة هوايته في تغيير مبادئه كما يُغير ملابسه وألوانها وسيكون مختلفا خصوصا إذا ما تغيرت الحسبة وظهرت علينا ألوان جديدة فهو وكما يقولون يعرف من أين تُؤكل الكتف.. وكيف يتحول من لون لآخر.. كفانا الله وإياكم شر جحا ومن على شاكلته فهم أهل النفاق والغش والكذب وأبعدهم عن موائدنا.

عبدالله المسفر العدواني

almesfer@hotmail.com